وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ذكر حظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الثناء والتأييد في قوله على صراط مستقيم المجعول علة للأمر بالثبات عليه ، ثم عطف عليه تعليل آخر اشتمل على ذكر حظ القرآن من المدح ، والنفع بقوله وإنه لذكر ، وتشريفه به بقوله لك ، وأتبع بحظ التابعين له ولكتابه من الاهتداء ، والانتفاع ، بقوله ولقومك . ثم عرض بالمعرضين عنه والمجازفين له بقوله " 
وسوف تسألون   " ، مع التوجيه في معنى كلمة ( ذكر ) من إرادة أن هذا الدين يكسبه ويكسب قومه حسن السمعة في الأمم فمن اتبعه نال حظه من ذلك ومن أعرض عنه عد عداد الحمقى كما سيأتي ، مع الإشارة إلى انتفاع المتبعين به في الآخرة ، واستضرار المعرضين عنه فيها ، وتحقيق ذلك بحرف الاستقبال . 
فهذه الآية اشتملت على عشرة معان ، وبذلك كانت أوفر معاني من قول 
امرئ القيس    : 
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل 
 [ ص: 221 ] المعدود أبلغ كلام من كلامهم في الإيجاز إذ وقف ، واستوقف ، وبكى واستبكى . وذكر الحبيب ، والمنزل في مصراع . وهذه الآية لا تتجاوز مقدار ذلك المصراع وعدة معانيها عشرة ، في حين كانت معاني مصراع 
امرئ القيس  ستة مع ما تزيد به هذه الآية من الخصوصيات ، وهي التأكيد بـ ( إن ) واللام والكناية ومحسن التوجيه . 
والذكر يحتمل أن يكون ذكر العقل ، أي اهتداءه لما كان غير عالم به ، فشبه بتذكر الشيء المنسي وهو ما فسر به كثير الذكر بالتذكير ، أي الموعظة . 
ويحتمل ذكر اللسان ، أي أنه يكسبك وقومك ذكرا ، والذكر بهذا المعنى غالب في الذكر بخبره . 
والمعنى : أن القرآن سبب الذكر لأنه يكسب قومه شرفا يذكرون بسببه . وقد روي هذا التفسير عن 
علي   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  في رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي  وابن مردويه  قال 
القرطبي  ونظيره قوله تعالى 
وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن شرف لك ولقومك من 
قريش ،  فالقرآن نزل بلسان 
قريش  فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك ؛ فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات . وقال 
ابن عطية  قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على القبائل فإذا قالوا له : فلمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت حتى إذا نزلت هذه الآية فكان إذا سئل عن ذلك قال : لقريش    . 
ودرج عليه كلام الكشاف . 
ففي لفظ " ذكر " محسن التوجيه فإذا ضم إليه أن ذكره وقومه بالثناء يستلزم ذم من خالفهم كان فيه تعريض بالمعرضين عنه . و ( قومه ) هم 
قريش  لأنهم المقصود بالكلام أو جميع العرب ؛ لأنهم شرفوا بكون الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - منهم ونزول القرآن بلغتهم ، وقد ظهر ذلك الشرف لهم في سائر الأعصر إلى اليوم ، ولولاه ما كان للعرب من يشعر بهم من الأمم العظيمة الغالبة على الأرض . 
وهذا ثناء سابع على القرآن . 
والسؤال في قوله 
وسوف تسألون سؤال تقرير . فسؤال المؤمنين عن   
[ ص: 222 ] مقدار العمل بما كلفوا به ، وسؤال المشركين سؤال توبيخ وتهديد ، قال تعالى : " 
ستكتب شهادتهم ويسألون   " وقال تعالى : " 
ألم يأتكم نذير إلى قوله 
فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير   .