وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون 
الأظهر أن جملة 
وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها في موضع الحال ، وأن الواو واو الحال وأن الاستثناء من أحوال ، وما بعد ( إلا ) في موضع الحال ، واستغنت عن الواو لأن ( إلا ) كافية في الربط . 
والمعنى : أنهم يستخفون بالآيات التي جاء بها 
موسى  في حال أنها آيات كبيرة وعظيمة فإنما يستخفون بها لمكابرتهم وعنادهم . 
وصوغ نريهم بصيغة المضارع لاستحضار الحالة . 
ومعنى هي أكبر من أختها يحتمل أن يراد به أن كل آية تأتي تكون أعظم من التي قبلها ، فيكون هنالك صفة محذوفة لدلالة المقام ، أي من أختها السابقة ، كقوله تعالى 
يأخذ كل سفينة غصبا ، أي كل سفينة صحيحة ، وهذا يستلزم أن تكون الآيات مترتبة في العظم بحسب تأخر أوقات ظهورها لأن الإتيان بآية بعد أخرى ناشئ عن عدم الارتداع من الآية السابقة . 
ويحتمل ما قال صاحب الكشاف أن الآيات موصوفات بالكبر لا بكونها متفاوتة فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه   
[ ص: 226 ] التفاوت اليسير ، أي تختلف آراء الناس في تفضيلها ، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا : رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض ، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك ، ومنه بيت الحماسة : 
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري 
وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها ثم قالت : لما أبصرت مراتبهم متقاربة قليلة التفاوت ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل ، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها . 
فالمعنى : وما نريهم من آية إلا وهي آية جليلة الدلالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكاد تنسيهم الآية الأخرى . والأخت مستعارة للمماثلة في كونها آية . 
وعطف " 
وأخذناهم بالعذاب   " على جملة وما نريهم من آية لأن العذاب كان من الآيات . 
والعذاب : عذاب الدنيا ، وهو ما يؤلم ويشق ، وذلك القحط ، والقمل ، والطوفان ، والضفادع ، والدم في الماء . 
والأخذ بمعنى : الإصابة . والباء في بالعذاب للاستعانة كما تقول : خذ الكتاب بقوة ، أي ابتدأناهم بالعذاب قبل الاستئصال لعل ذلك يفيقهم من غفلتهم ، وفي هذا تعريض بأهل مكة إذ أصيبوا بسني القحط . 
والرجوع : مستعار للإذعان والاعتراف ، وليس هو كالرجوع في قوله آنفا 
وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون   . 
وضمائر الغيبة في نريهم وأخذناهم ، ولعلهم عائدة إلى فرعون وملئه .