صفحة جزء
فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين تفريع على قوله كم تركوا من جنات إلى قوله قوما آخرين ، فإن ذلك كله يتضمن أنهم هلكوا وانقرضوا ، أي فما كان مهلكهم إلا كمهلك غيرهم ولم يكن حدثا عظيما كما كانوا يحسبون ويحسب قومهم ، وكان من كلام العرب إذا هلك عظيم أن يهولوا أمر موته بنحو : بكت عليه السماء ، وبكته الريح ، وتزلزلت الجبال ، قال النابغة في توقع موت النعمان بن المنذر من مرضه :


فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والبلد الحرام



وقال في رثاء النعمان بن الحارث الغساني :


بكى حارث الجولان من فقد ربه     وحوران منه موحش متضائل



[ ص: 304 ] والكلام مسوق مساق التحقير لهم ، وقريب من قوله تعالى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ، وهو طريقة مسلوكة وكثر ذلك في كلام الشعراء المحدثين ، قال أبو بكر بن اللبانة الأندلسي في رثاء المعتمد بن عباد ملك إشبيلية :


تبكي السماء بمزن رائح غاد     على البهاليل من أبناء عباد



والمعنى : فما كان هلاكهم إلا كهلاك غيرهم ولا أنظروا بتأخير هلاكهم بل عجل لهم الاستئصال .

التالي السابق


الخدمات العلمية