صفحة جزء
وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم

عطف على جملة وقال الذين كفروا للذين آمنوا الآية ، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالوا سحر مبين وقالوا افتراه ، وقالوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وبقي أن يقولوا هو إفك قديم .

وقد نبه الله على أن مزاعمهم كلها ناشئة عن كفرهم واستكبارهم بقوله قال الذين كفروا ، وقوله وكفرتم به ، وقوله واستكبرتم ، وقوله وإذ لم يهتدوا به الآية .

وإذ قد كانت مقالاتهم رامية إلى غرض واحد وهو تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان توزيع أسبابها على مختلف المقالات مشعرا بأن جميعها أسباب لجميعها .

[ ص: 23 ] وضمير به عائد إلى القرآن واسم الإشارة راجع إليه .

ومعنى الآية : وإذ لم تحصل هدايتهم بالقرآن فيما مضى فسيستمرون على أن يقولوا هو إفك قديم إذ لا مطمع في إقلاعهم عن ضلالهم في المستقبل . ولما كانت إذ ظرفا للزمن الماضي وأضيفت هنا إلى جملة واقعة في الزمن الماضي كما يقتضيه النفي بحرف ( لم ) تعين أن الإخبار عنه بأنهم سيقولون هذا إفك أنهم يقولونه في المستقبل ، وهو مؤذن بأنهم كانوا يقولون ذلك فيما مضى أيضا لأن قولهم ذلك من تصاريف أقوالهم الضالة المحكية عنهم في سور أخرى نزلت قبل هذه السورة ، فمعنى فسيقولون سيدومون على مقالتهم هذه في المستقبل .

فالاستقبال زمن للدوام على هذه المقالة وتكريرها ، مثله في قوله - تعالى - حكاية عن إبراهيم وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين فإنه قد هداه من قبل ، وإنما أراد سيديم هدايته إياي .

فليس المقصود إخبار الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم ( سيقولون هذا ) ولم يقولوه في الماضي إذ ليس لهذا الإخبار طائل . وإذ قد حكي أنهم قالوا ما يرادف هذا في آيات كثيرة سابقة على هذه الآية وأنهم لا يقلعون عنه ، ولا حاجة إلى تقدير فعل محذوف تتعلق به ( إذ ) .

وحيث قدم الظرف في الكلام على عامله أشرب معنى الشرط وهو إشراب وارد في الكلام ، وكثير في ( إذ ) ، ولذلك دخلت الفاء في جوابه هنا في قوله فسيقولون . ويجوز أن تكون ( إذ ) للتعليل ، وتتعلق ( إذ ) بـ " يقولون " ولا تمنع الفاء من عمل ما بعدها فيما قبلها على التحقيق . وإنما انتظمت الجملة هكذا لإفادة هذه الخصوصيات البلاغية ، فالواو للعطف ، والمعطوف في معنى شرط والفاء لجواب الشرط . وأصل الكلام : وسيقولون هذا إفك قديم إذ لم يهتدوا به !

وهذا التفسير جار على ما اختاره ابن الحاجب في الأمالي دون ما ذهب إليه صاحب الكشاف ، فإنه تكلف له تكلفا غير شاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية