أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون   . 
جيء باسم الإشارة للغرض الذي ذكرناه آنفا عند قوله 
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها   . وكونه إشارة جمع ، ومخبرة عنه بألفاظ الجمع ظاهر في أن   
[ ص: 35 ] المراد بالإنسان من قوله 
ووصينا الإنسان غير معين بل المراد الجنس المستعمل في الاستغراق كما قدمناه . 
والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ما قبلها من الوصف والحث يحدث ترقب السامع لمعرفة فائدة ذلك فكان قوله ( 
أولئك الذين نتقبل عنهم   ) إلى آخره جوابا لترقية . 
وعموم أحسن ما عملوا يكسب الجملة فائدة التذييل ، أي الإحسان بالوالدين والدعاء لهما وللذرية من أفضل الأعمال فهو من أحسن ما عملوا . وقد تقبل منهم كل ما هو أحسن ما عملوا . والتقبل : ترتب آثار العمل من ثواب على العمل واستجابة الدعاء . وفي هذا إيماء إلى أن هذا الدعاء مرجو الإجابة لأن الله تولى تلقينه ، مثل الدعاء الذي في سورة الفاتحة ودعاء آخر سورة البقرة . 
وعدي فعل " يتقبل " بحرف ( عن ) ، وحقه أن يعدى بحرف ( من ) تغليبا لجانب المدعو لهم وهم الوالدان والذرية ، لأن دعاء الولد والوالد لأولئك بمنزلة النيابة عنهم في عبادة الدعاء وإذا كان العمل بالنيابة متقبلا علم أن عمل المرء لنفسه متقبل أيضا ففي الكلام اختصار كأنه قيل : أولئك يتقبل منهم ويتقبل عن والديهم وذريتهم أحسن ما عملوا . 
وقرأ الجمهور ( يتقبل ) و ( يتجاوز ) بالياء التحتية مضمومة مبنيين للنائب و ( أحسن ) مرفوع على النيابة عن الفاعل ولم يذكر الفاعل لظهور أن المتقبل هو الله . وقرأهما 
حمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي  وحفص  عن 
عاصم  وخلف  بنونين مفتوحتين ونصب " أحسن " . 
وقوله " 
في أصحاب الجنة   " في موضع الحال من اسم الإشارة ، أي كائنين في أصحاب الجنة حين يتقبل أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم لأن أصحاب الجنة متقبل أحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، وذكر هذا للتنويه بهم بأنهم من الفريق المشرفين كما يقال : أكرمه في أهل العلم . 
وانتصب 
وعد الصدق على الحال من التقبل والتجاوز المفهوم من معاني يتقبل ويتجاوز ، فجاء الحال من المصدر المفهوم من الفعل كما أعيد   
[ ص: 36 ] عليه الضمير في قوله - تعالى - 
اعدلوا هو أقرب للتقوى ، أي العدل أقرب للتقوى . 
والوعد : مصدر بمعنى المفعول ، أي ذلك موعدهم الذي كانوا يوعدونه . 
وإضافة " وعد " إلى " الصدق " إضافة على معنى ( من ) ، أي وعد من الصدق إذ لا يتخلف . 
و 
الذي كانوا يوعدون صفة " وعد الصدق " ، أي ذلك هو الذي كانوا يوعدونه في الدنيا بالقرآن في الآيات الحاثة على بر الوالدين وعلى الشكر وعلى إصلاح الذرية .