ولكل درجات مما عملوا ولنوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون 
عطف على الكلام السابق من قوله 
أولئك الذين حق عليهم القول ثم قوله 
أولئك الذين حق عليهم القول إلخ . 
وتنوين " كل " تنوين عوض عما تضاف إليه كل وهو مقدر يعلم من السياق ، أي ولكل الفريقين المؤمن البار بوالديه والكافر الجامع بين الكفر والعقوق   
[ ص: 41 ] درجات ، أي مراتب من التفاوت في الخبر بالنسبة لأهل جزاء الخير وهم المؤمنون ، ودركات في الشر لأهل الكفر . 
والتعبير عن تلك المراتب بالدرجات تغليب لأن الدرجة مرتبة في العلو وهو علو اعتباري إنما يناسب مراتب الخير وأما المرتبة السفلى فهي الدركة قال - تعالى - 
إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار   . 
ووجه التغليظ التنويه بشأن أهل الخير . 
و ( من ) في قوله مما عملوا تبعيضية . والمراد بـ ( ما عملوا ) جزاء ما عملوا فيقدر مضاف . والدرجات : 
مراتب الأعمال في الخير وضده التي يكون الجزاء على وفقها . 
ويجوز كون ( من ) ابتدائية ، وما عملوا نفس العمل فلا يقدر مضاف والدرجات هي 
مراتب الجزاء التي تكون على حسب الأعمال ، ومقادير ذلك لا يعلمها إلا الله وهي تتفاوت بالكثرة وبالسبق وبالخصوص ، فالذي قال لوالديه أف لكما وأنكر البعث ثم أسلم بعد ذلك قد يكون هو دون درجة الذي بادر بالإسلام وبر والديه وما يعقب إسلامه من العمل الصالح . وكل ذلك على حسب الدرجات . 
وأشار إلى أن جزاء تلك الدرجات كلها بقدر يعلمه الله ، وقوله بعده " ولنوفيهم أعمالهم " هو علة لمحذوف دل عليه الكلام ، وتقديره : قدرنا جزاءهم على مقادير درجاتهم لنوفيهم جزاء أعمالهم ، أي نجازيهم تاما وافيا لا غبن فيه . 
وقرأ الجمهور ولنوفيهم بنون العظمة ، وقرأه 
ابن كثير  وأبو عمرو  وعاصم  وهشام  عن 
ابن عامر  ويعقوب  بالتحتية مرادا به العود إلى الله - تعالى - لأنه معلوم من المقام . 
وجملة 
وهم لا يظلمون احتراس منظور فيه إلى توفية أحد الفريقين وهو الفريق المستحق للعقوبة لئلا يحسب أن التوفية بالنسبة إليهم أن يكون الجزاء أشد مما تقتضيه أعمالهم .