[ ص: 186 ] شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم   . 
استئناف وتمهيد لقوله : 
إن الدين عند الله الإسلام ذلك أن 
أساس الإسلام هو توحيد الله   . وإعلان هذا التوحيد ، وتخليصه من شوائب الإشراك ، وفيه تعريض بالمشركين 
وبالنصارى  واليهود ،  وإن تفاوتوا في مراتب الإشراك ، وفيه ضرب من رد العجز على الصدر : لأنه يؤكد ما افتتحت به السورة من قوله : 
الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق   . 
والشهادة حقيقتها خبر يصدق به خبر مخبر وقد يكذب به خبر آخر كما تقدم عند قوله تعالى : 
واستشهدوا شهيدين من رجالكم في سورة البقرة . وإذ قد كان شأنه أن يكون للتصديق والتكذيب في الحقوق ، كان مظنة اهتمام المخبر به والتثبت فيه ، فلذلك أطلق مجازا على الخبر الذي لا ينبغي أن يشك فيه ، قال تعالى : 
والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة التلازم ، فشهادة الله تحقيقه وحدانيته بالدلائل التي نصبها على ذلك ، وشهادة الملائكة تحقيقهم ذلك فيما بينهم ، وتبليغ بعضهم ذلك إلى الرسل ، وشهادة أولي العلم تحقيقهم ذلك بالحجج والأدلة . 
فإطلاق الشهادة على هذه الأخبار مجاز بعلاقة اللزوم ، أو تشبيه الإخبار بالإخبار أو المخبر بالمخبر ، ولك أن تجعل " شهد " بمعنى بين وأقام الأدلة ، شبه إقامة الأدلة على وحدانيته : من إيجاد المخلوقات ونصب الأدلة العقلية ، بشهادة الشاهد بتصديق الدعوى في البيان والكشف على طريق الاستعارة التبعية ، وبين ذلك الملائكة بما نزلوا به من الوحي على الرسل ، وما نطقوا به من محامد ، وبين ذلك أولو العلم بما أقاموا من الحجج على الملاحدة ، ولك أن تجعل شهادة الله بمعنى الدلالة ونصب الأدلة ، وشهادة الملائكة وأولي العلم بمعنى آخر وهو الإقرار أو بمعنيين : إقرار الملائكة ، واحتجاج أولي العلم ، ثم تبنيه على استعمال " شهد " في معان مجازية ، مثل : 
إن الله وملائكته يصلون ، أو على استعمال " شهد " في مجاز أعم ، وهو الإظهار ، حتى يكون نصب الأدلة والإقرار والاحتجاج من أفراد ذلك العام ، بناء على عموم المجاز .  
[ ص: 187 ] وانتصب قائما بالقسط على الحال من الضمير في قوله إلا هو أي شهد بوحدانيته وقيامه بالعدل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الجلالة من قوله : 
شهد الله فيكون حالا مؤكدة لمضمون " شهد " لأن الشهادة هذه قيام بالقسط ، فالشاهد بها قائم بالقسط ، قال تعالى : 
كونوا قوامين لله شهداء بالقسط   . وزعم 
ابن هشام  في الباب الرابع : أن كونه حالا مؤكدة وهم ، وعلله بما هو وهم ، وقد ذكر الشيخ 
محمد الرصاع  جريان بحث في إعراب مثل هذه الحال في سورة الصف في درس شيخه 
محمد بن عقاب    . 
والقيام هنا بمعنى المواظبة كقوله : 
أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وقوله : 
ليقوم الناس بالقسط وتقول : الأمير قائم بمصالح الأمة ، كما تقول : ساهر عليها ، ومنه 
وإقام الصلاة وقول 
أيمن بن خريم الأنصاري    : 
أقامت غزالة سوق الضراب لأهل العراقين حولا قميطا 
وهو في الجميع تمثيل . 
والقسط : العدل وهو مختصر من القسطاس - بضم القاف - روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  عن 
مجاهد  أنه قال : القسطاس : العدل 
بالرومية  وهذه الكلمة ثابتة في اللغات 
الرومية  وهي من اللاطينية ، ويطلق القسط والقسطاس على الميزان ، لأنه آلة للعدل . قال تعالى : 
وزنوا بالقسطاس المستقيم وقال : 
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة   . وقد أقام الله القسط في تكوين العوالم على نظمها ، وفي تقدير بقاء الأنواع ، وإيداع أسباب المدافعة في نفوس الموجودات ، وفيما شرع للبشر من الشرائع في الاعتقاد والعمل : لدفع ظلم بعضهم بعضا ، وظلمهم أنفسهم ، فهو القائم بالعدل سبحانه ، وعدل الناس مقتبس من محاكاة عدله . 
وقوله : 
لا إله إلا هو تمجيد وتصديق ، نشأ عن شهادة الموجودات كلها له بذلك فهو تلقين الإقرار له بذلك على نحو قوله تعالى : 
إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما أي اقتداء بالله وملائكته ، على أنه يفيد مع ذلك تأكيد الجملة السابقة ، ويمهد لوصفه تعالى بالعزيز الحكيم .