صفحة جزء
وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين .

أتبعت قصة عاد بقصة ثمود لتقارنهما غالبا في القرآن من أجل أن ثمود عاصرت عادا وخلفتها في عظمة الأمم ، قال تعالى واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ولاشتهارهما بين العرب .

وفي ثمود عطف على في عاد أو على تركنا فيها آية .

والمعنى : وتركنا آية للمؤمنين في ثمود في حال قد أخذتهم الصاعقة ، أي : في دلالة أخذ الصاعقة إياهم ، على أن سببه هو إشراكهم وتكذيبهم وعتوهم عن أمر ربهم ، فالمؤمنون اعتبروا بتلك فسلكوا مسلك النجاة من عواقبها ، وأما المشركون فإصرارهم على كفرهم سيوقعهم في عذاب من جنس ما وقعت فيه ثمود .

وهذا القول الذي ذكر هنا هو كلام جامع لما أنذرهم به صالح رسولهم وذكرهم به من نحو قوله وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا [ ص: 13 ] وقوله أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وقوله هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها . ونحو ذلك مما يدل على أنهم أعطوا ما هو متاع ، أي : نفع في الدنيا فإن منافع الدنيا زائلة ، فكانت الأقوال التي قالها رسولهم تذكيرا بنعمة الله عليهم يجمعها " تمتعوا حتى حين " ، على أنه يجوز أن يكون رسولهم قال لهم هذه الكلمة الجامعة ولم تحك في القرآن إلا في هذا الموضع ، فقد علمت من المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير أن أخبار الأمم تأتي موزعة على قصصهم في القرآن .

فقوله : ( تمتعوا ) مستعمل في إباحة المتاع . وقد جعل المتاع بمعنى النعمة في مواضع كثيرة كقوله تعالى وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع قوله وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .

والمراد بحين زمن مبهم ، جعل نهاية لما متعوا به من النعم ، فإن نعم الدنيا زائلة ، وذلك الأجل : إما أن يراد به أجل كل واحد منهم الذي تنتهي إليه حياته ، وإما أن يراد به أجل الأمة الذي ينتهي إليه بقاؤها .

وهذا نحو قوله يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى فكما قال الله للناس على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - لعله قاله لثمود على لسان صالح عليه السلام .

وليس قوله إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين بمشير إلى قوله في الآية الأخرى فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ونحوه ؛ لأن ذلك الأمر مستعمل في الإنذار والتأييس من النجاة بعد ثلاثة أيام فلا يكون لقوله بعده فعتوا عن أمر ربهم مناسبة لتعقيبه به بالفاء ؛ لأن الذي تفيده الفاء يقتضي أن ما بعدها مرتب في الوجود على ما قبلها .

والعتو : الكبر والشدة . وضمن ( عتوا ) : معنى أعرضوا ، فعدي بعن ، أي : فأعرضوا عما أمرهم الله على لسان رسوله صالح عليه السلام .

وأخذ الصاعقة إياهم إصابتهم إياهم إصابة تشبه أخذ العدو عدوه .

وجملة " وهم ينظرون " حال من ضمير النصب في أخذتهم ، أي : أخذتهم [ ص: 14 ] في حال نظرهم إلى نزولها ؛ لأنهم لما رأوا بوارقها الشديدة علموا أنها غير معتادة فاستشرفوا ينظرون إلى السحاب فنزلت عليهم الصاعقة وهم ينظرون . وذلك هول عظيم زيادة في العذاب ، فإن النظر إلى النقمة يزيد صاحبها ألما ، كما أن النظر إلى النعمة يزيد المنعم مسرة ، قال تعالى وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون .

وقرأ الكسائي ( الصعقة ) بدون ألف .

وقوله فما استطاعوا من قيام تفريع على " وهم ينظرون " ، أي : فما استطاعوا أن يدفعوا ذلك حين رؤيتهم بوادره . فالقيام مجاز للدفاع ، كما يقال : هذا أمر لا يقوم له أحد ، أي : لا يدفعه أحد . وفي الحديث غضب غضبا لا يقوم له أحد ، أي : فما استطاعوا أي دفاع لذلك .

وقوله " وما كانوا منتصرين " ، أي : لم ينصرهم حتى يكونوا منتصرين ؛ لأن انتصر مطاوع نصر ، أي : ما نصرهم أحد فانتصروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية