صفحة جزء
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا عطف على جملة فذرهم حتى يلاقوا يومهم إلخ ، وما بينهما اعتراض وكان مفتتح السورة خطابا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - من قوله تعالى إن عذاب ربك لواقع المسوق مساق التسلية له ، وكان في معظم ما في السورة من الأخبار ما يخالطه في نفسه - صلى الله عليه وسلم - من الكدر والأسف على ضلال قومه وبعدهم عما جاءهم به من الهدى ختمت السورة بأمره بالصبر تسلية له وبأمره بالتسبيح وحمد الله شكرا له على تفضيله بالرسالة .

والمراد بـ حكم ربك ما حكم به وقدره من انتفاء إجابة بعضهم ومن إبطاء إجابة أكثرهم .

فاللام في قوله لحكم ربك يجوز أن تكون بمعنى على فيكون لتعدية فعل اصبر كقوله تعالى واصبر على ما يقولون .

ويجوز فيها معنى ( إلى ) أي اصبر إلى أن يحكم الله بينك وبينهم فيكون في معنى قوله واصبر حتى يحكم الله .

ويجوز أن تكون للتعليل فيكون لحكم ربك هو ما حكم به من إرساله إلى الناس ، أي اصبر لأنك تقوم بما وجب عليك .

فللام في هذا المكان موقع جامع لا يفيد غير اللام مثله .

والتفريع في قوله فإنك بأعيننا تفريع العلة على المعلول اصبر لأنك بأعيننا ، أي بمحل العناية والكلاءة منا ، نحن نعلم ما تلاقيه وما يريدونه بك [ ص: 84 ] فنحن نجازيك على ما تلقاه ونحرسك من شرهم وننتقم لك منهم ، وقد وفى بهذا كله التمثيل في قوله فإنك بأعيننا ، فإن الباء للإلصاق المجازي ، أي : لا نغفل عنك ، يقال : هو بمرأى مني ومسمع ، أي : لا يخفى علي شأنه . وذكر العين تمثيل لشدة الملاحظة وهذا التمثيل كناية عن لازم الملاحظة من النصر والجزاء والحفظ .

وقد آذن بذلك قوله لحكم ربك دون أن يقول : واصبر لحكمنا ، أو لحكم الله ، فإن المربوبية تؤذن بالعناية بالمربوب .

وجمع الأعين : إما مبالغة في التمثيل كأن الملاحظة بأعين عديدة كقوله واصنع الفلك بأعيننا وهو من قبيل والسماء بنيناها بأيد .

ولك أن تجعل الجمع باعتبار تعدد متعلقات الملاحظة ، فملاحظة للذب عنه ، وملاحظة لتوجيه الثواب ورفع الدرجة ، وملاحظة لجزاء إعداده بما يستحقونه ، وملاحظة لنصره عليهم بعموم الإيمان به ، وهذا الجمع على نحو قوله تعالى في قصة نوح وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا ؛ لأن عناية الله بأهل السفينة تتعلق بإجرائها وتجنيب الغرق عنها وسلامة ركابها واختيار الوقت لإرسائها وسلامة الركاب في هبوطهم ، وذلك خلاف قوله في قصة موسى ولتصنع على عيني فإنه تعلق واحد بمشي أخته إلى آل فرعون وقولها هل أدلكم على من يكفله .

التالي السابق


الخدمات العلمية