1. الرئيسية
  2. التحرير والتنوير
  3. سورة الرحمن
  4. قوله تعالى والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان
صفحة جزء
[ ص: 241 ] والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان .

عطف على والسماء رفعها وهو مقابله في المزاوجة والوضع يقابل الرفع ، فحصل محسن الطباق مرتين ، ومعنى ( وضعها ) خفضها لهم ، أي جعلها تحت أقدامهم وجنوبهم لتمكينهم من الانتفاع بها بجميع ما لهم فيها من منافع ومعالجات .

واللام في للأنام للأجل . والأنام : اختلفت أقوال أهل اللغة والتفسير فيه ، فلم يذكره الجوهري ولا الراغب في مفردات القرآن ولا ابن الأثير في النهاية ولا أبو البقاء الكفوي في الكليات . وفسره الزمخشري بقوله ( الخلق وهو كل ما ظهر على وجه الأرض من دابة فيها روح ) . وهذا مروي عن ابن عباس وجمع من التابعين . وعن ابن عباس أيضا : أنه الإنسان فقط . وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه .

وسياق الآية يرجح أن المراد به الإنسان ، لأنه في مقام الامتنان والاعتناء بالبشر كقوله هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا .

والظاهر أنه اسم غير مشتق وفيه لغات : أنام كسحاب ، وأنام كساباط ، وأنيم كأمير .

وجملة فيها فاكهة إلى آخرها مبينة لجملة والأرض وضعها للأنام وتقديم ( فيها ) على المبتدأ للاهتمام بما تحتوي عليه الأرض .

ولما كان قوله وضعها للأنام يتضمن وضعا وعلة لذلك الوضع كانت الجملة المبينة له مشتملة على ما فيه العبرة والامتنان .

والفاكهة : اسم لما يؤكل تفكها لا قوتا مشتقة من فكه كفرح ، إذا طابت نفسه بالحديث والضحك ، قال تعالى فظلتم تفكهون لأن أكل ما يلذ للأكل وليس بضروري له إنما يكون في حال الانبساط .

[ ص: 242 ] والفاكهة : مثل الثمار والبقول من لوز وجوز وفستق .

وعطف على الفاكهة النخل وهو شجر التمر وهو أهم شجر الفاكهة عند العرب الذين نزل القرآن فيهم ، وهو يثمر أصنافا من الفاكهة من رطب وبسر ومن تمر وهو فاكهة وقوت .

ووصف النخل ذات الأكمام وصف للتحسين فهو اعتبار بأطوار ثمر النخل ، وامتنان بجماله وحسنه كقوله تعالى ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون فامتن بمنافعها وبحسن منظرها .

والأكمام : جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء ثمر النخلة ويقال له : الكفرى ، فليست الأكمام مما ينتفع به فتعين أن ذكرها مع النخل للتحسين .

والحب ذو العصف : هو الحب الذي لنباته سنابل ولها ورق وقصب فيصير تبنا ، وذلك الورق والقصب هو العصف ، أي الذي تعصفه الرياح وهذا وصف لحب الشعير والحنطة وبهما قوام حياة معظم الناس وكذلك ما أشبههما من نحو السلت والأرز .

وسمي العصف عصفا لأن الرياح تعصفه ، أي تحركه ووصف الحب بأنه ذو العصف للتحسين وللتذكير بمنة جمال الزرع حين ظهوره في سنبله في حقوله نظير وصف النخل بذات الأكمام ولأن في الموصوف ووصفه أقوات البشر وحيوانهم .

وقرأ الجمهور والحب ذو العصف والريحان برفع الحب ورفع الريحان ورفع ذو ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف برفع الحب وذو وبجر الريحان عطفا على العصف . وقرأه ابن عامر بنصب الأسماء الثلاثة وعلامة نصب ( ذا العصف ) الألف . وكذلك كتب في مصحف الشام عطفا على الأرض أو هو على الاختصاص .

والريحان : ما له رائحة ذكية من الأزهار والحشائش وهو فعلان من الرائحة ، وإنما سمي به ما له رائحة طيبة . وهذا اعتبار وامتنان بالنبات المودعة فيه الأطياب مثل الورد والياسمين وما يسمى بالريحان الأخضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية