صفحة جزء
أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .

الإشارة إلى القوم الموصوفين بأنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .

والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الأوصاف السابقة ووقوعها عقب ما وصف به المنافقون من محادة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - سابقا وآنفا ، وما توعدهم الله به أنه أعد لهم عذابا شديدا ولهم عذاب مهين ، وأنهم حزب الشيطان ، وأنهم [ ص: 61 ] الخاسرون ، مما يستشرف بعده السامع إلى ما سيخبر به عن المتصفين بضد ذلك . وهم المؤمنون الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

وكتابة الإيمان في القلوب نظير قوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي . وهي التقدير الثابت الذي لا تتخلف آثاره ، أي هم المؤمنون حقا الذين زين الله الإيمان في قلوبهم فاتبعوا كماله وسلكوا شعبه .

والتأكيد : التقوية والنصر . وتقدم بيانه عند قوله تعالى وأيدناه بروح القدس في سورة البقرة ، أي إن تأييد الله إياهم قد حصل وتقرر بالإتيان بفعل المضي للدلالة على الحصول وعلى التحقق والدوام فهو مستعمل في معنييه .

والروح هنا : ما به كمال نوع الشيء من عمل أو غيره وروح من الله : عنايته ولطفه . ومعاني الروح في قوله تعالى ويسألونك عن الروح في سورة الإسراء ، ووعدهم بأنه يدخلهم في المستقبل الجنات خالدين فيها .

ورضي الله عنهم حاصل من الماضي ومحقق الدوام فهو مثل الماضي في قوله وأيدهم ، ورضاهم عن ربهم كذلك حاصل في الدنيا بثباتهم على الدين ومعاداة أعدائه ، وحاصل في المستقبل بنوال رضا الله عنهم ونوال نعيم الخلود .

وأما تحويل التعبير إلى المضارع في قوله ويدخلهم جنات فلأنه الأصل في الاستقبال . وقد استغني عن إفادة التحقيق بما تقدمه من قوله تعالى أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .

وقوله أولئك حزب الله إلى آخره كالقول في أولئك حزب الشيطان . وحرف التنبيه يحصل منه تنبيه المسلمين إلى فضلهم . وتنبيه من يسمع ذلك من المنافقين إلى ما حبا الله به المسلمين من خير الدنيا والآخرة لعل المنافقين يغبطونهم فيخلصون الإسلام .

وشتان بين الحزبين . فالخسران لحزب الشيطان ، والفلاح لحزب الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية