صفحة جزء
[ ص: 73 ] ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا جملة معترضة ناشئة عن جملة هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب . فالواو اعتراضية ، أي أخرجهم الله من قريتهم عقابا لهم على كفرهم وتكذيبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ولو لم يعاقبهم الله بالجلاء لعاقبهم بالقتل والأسر لأنهم استحقوا العقاب . فلو لم يقذف في قلوبهم الرعب حتى استسلموا لعاقبهم بجوع الحصار وفتح ديارهم عنوة فعذبوا قتلا وأسرا .

والمراد بالتعذيب : الألم المحسوس بالأبدان بالقتل والجرح والأسر والإهانة وإلا فإن الإخراج من الديار نكبة ومصيبة لكنها لا تدرك بالحس وإنما تدرك بالوجدان .

و ( لولا ) حرف امتناع لوجود ، تفيد امتناع جوابها لأجل وجود شرطها ، أي وجود تقدير الله جلاءهم سبب لانتفاء تعذيب الله إياهم في الدنيا بعذاب آخر .

وإنما قدر الله لهم الجلاء دون التعذيب في الدنيا لمصلحة اقتضتها حكمته ، وهي أن يأخذ المسلمون أرضهم وديارهم وحوائطهم دون إتلاف من نفوس المسلمين مما لا يخلو منه القتال لأن الله أراد استبقاء قوة المسلمين لما يستقبل من الفتوح ، فليس تقدير الجلاء لهم لقصد اللطف بهم وكرامتهم وإن كانوا قد آثروه على الحرب .

ومعنى ( كتب الله عليهم ) قدر لهم تقديرا كالكتابة في تحقيق مضمونه وكان مظهر هذا التقدير الإلهي ما تلاحق بهم من النكبات من جلاء النضير ثم فتح قريظة ثم فتح خيبر .

والجلاء : الخروج من الوطن بنية عدم العود ، قال زهير :

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء

واعلم أن ( أن ) الواقعة بعد ( لولا ) هنا مصدرية لأن ( أن ) الساكنة النون إذا لم [ ص: 74 ] تقع بعد فعل علم يقين أو ظن ولا بعد ما فيه معنى القول ، فهي مصدرية وليست مخففة من الثقيلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية