صفحة جزء
وما تفعلوا من خير فلن تكفروه والله عليم بالمتقين .

[ ص: 59 ] تذييل للجمل المفتتحة بقوله تعالى من أهل الكتاب أمة قائمة إلى قوله تعالى من الصالحين . وقرأ الجمهور : تفعلوا بالفوقية فهو وعد للحاضرين ، ويعلم منه أن الصالحين السابقين مثلهم ، بقرينة مقام الامتنان ، ووقوعه عقب ذكرهم ، فكأنه قيل : وما تفعلوا من خير ويفعلوا . ويجوز أن يكون التفاتا لخطاب أهل الكتاب . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف بياء الغيبة عائدا إلى ( أمة قائمة ) .

والكفر : ضد الشكر أي هو إنكار وصول النعمة الواصلة . قال عنترة :


نبئت عمرا غير شاكر نعمتي والكفر مخبثة لنفس المنعم

وقال تعالى : واشكروا لي ولا تكفرون وأصل الشكر والكفر أن يتعديا إلى واحد ، ويكون مفعولهما النعمة كما في البيت . وقد يجعل مفعولهما المنعم على التوسع في حذف حرف الجر ، لأن الأصل شكرت له وكفرت له .

قال النابغة :


شكرت لك النعمى

وقد جمع بين الاستعمالين قوله تعالى واشكروا لي ولا تكفرون وقد عدي تكفروه هنا إلى مفعولين : أحدهما نائب الفاعل ، لأن الفعل ضمن معنى الحرمان . والضمير المنصوب عائد إلى ( خير ) بتأويل ( خير ) بجزاء فعل الخير على طريقة الاستخدام . وأطلق الكفر هنا على ترك جزاء فعل الخير ، تشبيها لفعل الخير بالنعمة . كأن فاعل الخير أنعم على الله تعالى بنعمته مثل قوله إن تقرضوا الله قرضا حسنا فحذف المشبه ورمز إليه بما هو من لوازمه العرفية . وهو الكفر . على أن في القرينة استعارة مصرحة مثل ينقضون عهد الله وقد امتن الله علينا إذ جعل طاعتنا إياه كنعمة عليه تعالى ، وجعل ثوابها شكرا ، وترك ثوابها كفرا فنفاه . وسمى نفسه الشكور .

وقد عدي الكفران هنا إلى النعمة على أصل تعديته .

التالي السابق


الخدمات العلمية