ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين استئناف ناشئ عن الوعيد والتقريع لهم بالويل على التطفيف وما وصفوا به من الاعتداء على حقوق المبتاعين . 
والهمزة للاستفهام التعجيبي بحيث يسأل السائل عن علمهم بالبعث ، وهذا يرجع أن الخطاب في قوله : 
ويل للمطففين موجه إلى المسلمين . ويرجع الإنكار والتعجب من ذلك إلى إنكار ما سيق هذا لأجله وهو فعل التطفيف . فأما المسلمون الخلص فلا شك أنهم انتهوا عن التطفيف بخلاف المنافقين . 
والظن : مستعمل في معناه الحقيقي المشهور وهو اعتقاد وقوع شيء اعتقادا راجحا على طريقة قوله تعالى : 
إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين   . 
وفي العدول عن الإضمار إلى اسم الإشارة في قوله : 
ألا يظن أولئك لقصد   
[ ص: 193 ] تمييزهم وتشهير ذكرهم في مقام الذم ، ولأن الإشارة إليهم بعد وصفهم بـ المطففين تؤذن بأن الوصف ملحوظ في الإشارة فيؤذن ذلك بتعليل الإنكار . 
واللام في قوله : 
ليوم عظيم لام التوقيت مثل 
أقم الصلاة لدلوك الشمس   . 
وفائدة لام التوقيت إدماج الرد على شبهتهم الحاملة لهم على إنكار البعث باعتقادهم أنه لو كان بعث لبعثت أموات القرون الغابرة ، فأومأ قوله : ليوم أن للبعث وقتا معينا يقع عنده لا قبله . 
ووصف يوم بـ عظيم باعتبار عظمة ما يقع فيه من الأهوال ، فهو وصف مجازي عقلي . 
و 
يوم يقوم الناس لرب العالمين بدل من يوم عظيم بدلا مطابقا وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى : 
يوم لا تملك نفس لنفس شيئا في سورة الانفطار على قراءة الجمهور ذلك بالفتح . 
ومعنى 
يقوم الناس أنهم يكونون قياما ، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة . 
واللام في 
لرب العالمين للأجل ، أي : لأجل ربوبية وتلقي حكمه . 
والتعبير عن الله تعالى بوصف رب العالمين لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات . 
واللام في العالمين للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة . 
قال في الكشاف : " وفي هذا الإنكار ، والتعجيب ، وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته بـ رب العالمين ، بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية " اهـ . 
ولما كان الحامل على التطفيف احتقارهم أهل الجلب من أهل البوادي فلا   
[ ص: 194 ] يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة ، كان التطفيف لذلك منبئا عن إثم احتقار الحقوق ، وذلك قد صار خلقا لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق ، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى : 
والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وقوله حكاية عن 
شعيب  وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين   .