إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر   . 
استئناف بياني ناشئ عن قوله : 
فلينظر الإنسان مم خلق لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة ، وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل ، فصار   
[ ص: 265 ] المعنى : إن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى ، وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإعادة . 
وضمير إنه عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ، ولكن بناء الفعل للمجهول في قوله : 
خلق من ماء دافق يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه ، وأسند الرجع إلى ضمير دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله : خلق لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك . 
وضمير رجعه عائد إلى الإنسان . 
والرجع : مصدر رجعه المتعدي . ولا يقال في مصدر رجع القاصر إلا الرجوع . 
و 
يوم تبلى السرائر متعلق بـ رجعه أي : يرجعه يوم القيامة . 
والسرائر : جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده . 
وبلو السرائر اختبارها وتمييز الصالح منها عن الفاسد ، وهو كناية عن الحساب عليها والجزاء ، وبلو الأعمال الظاهرة والأقوال مستفاد بدلالة الفحوى من بلو السرائر . 
ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله : 
يوم تبلى السرائر مشعرا بالمؤاخذة على العقائد الباطلة والأعمال الشنيعة فرع عليه قوله : 
فما له من قوة ولا ناصر فالضمير عائد إلى الإنسان . والمقصود ، المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد ، أي : فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه .