صفحة جزء
إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا .

استئناف بياني ينبئ عن سؤال سائل يعجب من إعراضهم عن القرآن ، مع أنه قول فصل ، ويعجب من معاذيرهم الباطلة مثل قولهم : هو هزل أو هذيان أو سحر ، فبين للسامع أن عملهم ذلك كيد مقصود . فهم يتظاهرون بأنهم ما يصرفهم عن التصديق بالقرآن إلا ما تحققوه من عدم صدقه ، وهو إنما يصرفهم عن الإيمان به الحفاظ على سيادتهم فيضللون عامتهم بتلك التعللات الملفقة .

والتأكيد بـ إن لتحقيق هذا الخبر لغرابته ، وعليه فقوله : وأكيد كيدا تتميم وإدماج وإنذار لهم حين يسمعونه .

ويجوز أن يكون قوله : إنهم يكيدون كيدا موجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسلية له على أقوالهم في القرآن الراجعة إلى تكذيب من جاء بالقرآن . أي : إنما يدعون أنه هزل لقصد الكيد وليس لأنهم يحسبونك كاذبا على نحو قوله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .

[ ص: 268 ] والضمير الواقع اسما لـ إن عائد إلى ما فهم من قوله تعالى : إنه لقول فصل وما هو بالهزل من الرد على الذين يزعمون القرآن بعكس ذلك ، أي أن المشركين المكذبين يكيدون .

وجملة وأكيد كيدا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر .

وكيدا في الموضعين مفعول مطلق مؤكد لعامله وقصد منه مع التوكيد تنوين تنكيره الدال على التعظيم .

والكيد : إخفاء قصد الضر وإظهار خلافه ، فكيدهم مستعمل في حقيقته . وأما الكيد المسند إلى ضمير الجلالة فهو مستعمل في الإمهال مع إرادة الانتقام عند وجود ما تقتضيه الحكمة من إنزاله بهم وهو استعارة تمثيلية ، شبهت هيئة إمهالهم وتركهم مع تقدير إنزال العقاب بهم بهيئة الكائد يخفي إنزال ضره ويظهر أنه لا يريده وحسنها محسن المشاكلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية