والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد   . 
أقسم الله بـ ( العاديات ) جمع العادية ، وهو اسم فاعل من العدو ، وهو السير السريع يطلق على سير الخيل والإبل خاصة . 
وقد يوصف به سير الإنسان وأحسب أنه على التشبيه بالخيل ومنه عداءو العرب وهم أربعة : 
السليك بن السلكة ،  والشنفرى  ، 
وتأبط شرا   nindex.php?page=showalam&ids=243وعمرو بن أمية الضمري    . يضرب بهم المثل في العدو . 
وتأنيث هذا الوصف هنا لأنه من صفات ما لا يعقل . 
والضبح : اضطراب النفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم ، وهو من أصوات الخيل والسباع . وعن 
عطاء    : سمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  يصف الضبح أح أح   . 
وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب ، وهذا قول أهل اللغة واقتصر عليه في القاموس . روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  بسنده إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال : بينما أنا جالس في الحجر جاءني رجل فسألني عن 
العاديات ضبحا فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم ، فانفتل عني فذهب إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  وهو تحت   
[ ص: 499 ] سقاية 
زمزم  فسأله عنها ، فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  فقال : الخيل تغزو في سبيل الله ، قال : اذهب فادعه لي ، فلما وقفت عند رأسه ، قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله لكانت أول غزوة في الإسلام 
لبدر ،  وما كان معنا إلا فرسان : فرس 
للزبير ،  وفرس 
للمقداد ،  فكيف تكون العاديات ضبحا ، إنما العاديات ضبحا الإبل من 
عرفة  إلى 
المزدلفة ،  ومن 
المزدلفة  إلى 
منى    . يعني : بذلك أن السورة مكية قبل ابتداء الغزو الذي أوله غزوة 
بدر    . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال 
علي    . 
وليس في قول 
علي    - رضي الله عنه - تصريح بأنها مكية ولا مدنية وبمثل ما قال 
علي  قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  وإبراهيم  ومجاهد   nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير    . 
والضبح لا يطلق على صوت الإبل في قول أهل اللغة . فإذا حمل ( العاديات ) على أنها الإبل ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد  وبعض أهل اللغة : من جعلها للإبل جعل ( ضبحا ) بمعنى ضبعا ، يقال : ضبحت الناقة في سيرها وضبعت ، إذا مدت ضبعيها في السير . وقال 
أبو عبيدة    : ضبحت الخيل وضبعت ، إذا عدت ، وهو أن يمد الفرس ضبعيه إذا عدا ، أي : فالضبح لغة في الضبع ، وهو من قلب العين حاء . قال في الكشاف " وليس بثبت " . ولكن صاحب القاموس اعتمده وعلى تفسير ( العاديات ) بأنها الإبل يكون الضبح استعير لصوت الإبل ، أي : من شدة العدو قويت الأصوات المترددة في حناجرها حتى أشبهت ضبح الخيل ، أو أريد بالضبح الضبع على لغة الإبدال . 
وانتصب ( ضبحا ) فيجوز أن يجعل حالا من ( العاديات ) إذا أريد به الصوت الذي يتردد في جوفها حين العدو ، أو يجعل مبينا لنوع العدو إذا كان أصله : ضبحا . 
وعلى وجه أن المقسم به رواحل الحج ، فالقسم بها لتعظيمها بما تعين به على مناسك الحج ، واختير القسم بها ; لأن السامعين يوقنون أن ما يقسم عليه بها محقق ، فهي معظمة عند الجميع من المشركين والمسلمين . 
والموريات : التي توري ، أي : توقد .  
[ ص: 500 ] والقدح : حك جسم على آخر ليقدح نارا ، يقال : قدح فأورى . وانتصب ( قدحا ) على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله . وكل من سنابك الخيل ومناسم الإبل تقدح إذا صكت الحجر الصوان نارا تسمى نار الحباحب ، قال 
الشنفرى  يشبه نفسه في العدو ببعير : 
إذا الأمعز الصوان لاقى مناسمي تطاير منه قادح ومفلل 
وذلك كناية عن الإمعان في العدو وشدة السرعة في السير . 
ويجوز أن يراد قدح النيران بالليل حين نزولهم لحاجتهم وطعامهم ، وجوز أن يكون 
الموريات قدحا مستعارا لإثارة الحرب ; لأن الحرب تشبه بالنار . قال تعالى : 
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، فيكون ( قدحا ) ترشيحا لاستعارة ( الموريات ) ومنصوبا على المفعول المطلق لـ ( الموريات ) وجوز أن يكون ( قدحا ) بمعنى استخراج المرق من القدر في القداح لإطعام الجيش أو الركب ، وهو مشتق من اسم القدح ، وهو الصحفة فيكون ( قدحا ) مصدرا منصوبا على المفعول لأجله . 
والمغيرات : اسم فاعل من : أغار ، والإغارة تطلق على غزو الجيش دارا ، وهو أشهر إطلاقها فإسناد الإغارة إلى ضمير ( العاديات ) مجاز عقلي ، فإن المغيرين راكبوها ، ولكن الخيل أو إبل الغزو أسباب للإغارة ووسائل . 
وتطلق الإغارة على الاندفاع في السير . 
و ( صبحا ) ظرف زمان ، فإذا فسر ( المغيرات ) بخيل الغزاة فتقييد ذلك بوقت الصبح ; لأنهم كانوا إذا غزوا لا يغيرون على القوم إلا بعد الفجر ، ولذلك كان منذر الحي إذا أنذر قومه بمجيء العدو نادى : يا صباحاه ، قال تعالى : 
فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين   . 
وإذا فسر ( المغيرات ) بالإبل المسرعات في السير ، فالمراد : دفعها من 
مزدلفة  إلى 
منى  صباح يوم النحر وكانوا يدفعون بكرة عندما تشرق الشمس على ثبير ، ومن أقوالهم في ذلك ( أشرق ثبير كيما نغير ) .  
[ ص: 501 ] و 
أثرن به نقعا   : أصعدن الغبار من الأرض من شدة عدوهن ، والإثارة : الإهاجة ، والنقع : الغبار . 
والباء في ( به ) يجوز أن تكون سببية ، والضمير المجرور عائد إلى العدو المأخوذ من ( العاديات ) . ويجوز كون الباء ظرفية والضمير عائدا إلى ( صبحا ) ، أي : أثرن في ذلك الوقت وهو وقت إغارتها . 
ومعنى ( وسطن ) : كن وسط الجمع ، يقال : وسط القوم ، إذا كان بينهم . 
و ( جمعا ) مفعول ( وسطن ) وهو اسم لجماعة الناس ، أي : صرن في وسط القوم المغزوين . فأما بالنسبة إلى الإبل فيتعين أن يكون قوله : ( جمعا ) وهو المزدلفة فيكون إشارة إلى حلول الإبل في مزدلفة قبل أن تغير صبحا منها إلى عرفة ، إذ ليس ثمة جماعة مستقرة في مكان تصل إليه هذه الرواحل . 
ومن بديع النظم وإعجازه إيثار كلمات ( العاديات وضبحا والموريات وقدحا ، والمغيرات وصبحا ، ووسطن وجمعا ) دون غيرها ; لأنها برشاقتها تتحمل أن يكون المقسم به خيل الغزو ورواحل الحج . 
وعطف هذه الأوصاف الثلاثة الأولى بالفاء ; لأن أسلوب العرب في عطف الصفات وعطف الأمكنة أن يكون بالفاء وهي للتعقيب ، والأكثر أن تكون لتعقيب الحصول كما في هذه الآية ، وكما في قول 
ابن زيابة    : 
يا لهف زيابة للحارث الص     ابح فالغانم فالآيب 
وقد يكون لمجرد تعقيب الذكر كما في سورة الصافات . 
والفاء العاطفة لقوله : 
فأثرن به نقعا عاطفة على وصف ( المغيرات ) . والمعطوف بها من آثار وصف المغيرات . وليست عاطفة على صفة مستقلة مثل   
[ ص: 502 ] الصفات الثلاث التي قبلها ; لأن إثارة النقع وتوسط الجمع من آثار الإغارة صبحا ، وليسا مقسما بهما أصالة ، وإنما القسم بالأوصاف الثلاثة الأولى . 
فلذلك غير الأسلوب في قوله 
فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا ، فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل ; للإشارة إلى أن الكلام انتقل من القسم إلى الحكاية عن حصول ما ترتب على تلك الأوصاف الثلاثة ما قصد منها بالظفر المطلوب الذي لأجله كان العدو والإيراء والإغارة عقبه ، وهي الحلول بدار القوم الذين غزوهم إذا كان المراد بـ ( العاديات ) الخيل ، أو بلوغ تمام الحج بالدفع عن 
عرفة  إذا كان المراد بـ ( العاديات ) رواحل الحجيج ، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإبل دفعة ، فتثير أرجلها نقعا شديدا فيما بينهما ، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المراد بقوله : ( جمعا ) اسم 
المزدلفة  ؛ حيث المشعر الحرام . 
ومناسبة القسم بهذه الموصوفات دون غيرها إن أريد رواحل الحجيج ، وهو الوجه الذي فسر به 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،  وهو أن يصدق المشركون بوقوع المقسم عليه ; لأن القسم بشعائر الحج لا يكون إلا بارا حيث هم لا يصدقون بأن القرآن كلام الله ويزعمونه قول النبيء - صلى الله عليه وسلم . 
وإن أريد بـ ( العاديات ) وما عطف عليها خيل الغزاة ، فالقسم بها لأجل التهويل والترويع لإشعار المشركين بأن غارة تترقبهم ، وهي غزوة 
بدر ،  مع تسكين نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - من التردد في مصير السرية التي بعث بها مع 
المنذر بن عمرو  إذا صح خبرها فيكون القسم بخصوص هذه الخيل إدماجا للاطمئنان . 
وجملة 
إن الإنسان لربه لكنود جواب القسم . 
والكنود : وصف من أمثلة المبالغة من كند ، ولغات العرب مختلفة في معناه ، فهو في لغة 
مضر  وربيعة    : الكفور بالنعمة ، وبلغة كنانة : البخيل ، وفي لغة 
كندة  وحضرموت    : العاصي ، والمعنى : الشديد الكفران لله . 
والتعريف في الإنسان تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالبا ، أي أن   
[ ص: 503 ] في طبع الإنسان الكنود لربه ، أي : كفران نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوت فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء ، وكمل أهل الصلاح ؛ لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه ، وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكر حق غيره . وبذلك قد يذهل أو ينسى حق الله ، والإنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته ؛ لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه ، والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته . 
وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : 
وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد فلذلك كان الاستغراق عرفيا أو عاما مخصوصا ، فالإنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإشراك كنود ، والعصيان كنود ، وقلة ملاحظة صرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإنسان ، فلذلك أيقظ الله له الناس ليريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى : 
إن الإنسان خلق هلوعا الآية . وقوله : 
خلق الإنسان من عجل وقوله : 
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقد تقدمت قريبا . 
وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  تخصيص الإنسان هنا بالكافر فهو من العموم العرفي . 
وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي  بسند ضعيف ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002899الكنود هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده وهو تفسير لأدنى معاني الكنود فإن أكله وحده ، أي : عدم إطعامه أحدا معه ، أو عدم إطعامه المحاويج إغضاء عن بعض مراتب شكر النعمة ، وكذلك منعه الرفد ، ومثله : ضربه عبده ، فإن فيه نسيانا لشكر الله الذي جعل العبد ملكا له ولم يجعله ملكا للعبد ، فيدل على أن ما هو أشد من ذلك أولى بوصف الكنود . 
وقيل : التعريف في ( الإنسان ) للعهد ، وأن المراد به 
الوليد بن المغيرة ،  وقيل : 
قرطة بن عبد عمرو بن نوفل القرشي    . 
واللام في ( لربه ) لام التقوية ; لأن كنود وصف ليس أصيلا في العمل ، وإنما يتعلق بالمعمولات لمشابهته الفعل في الاشتقاق ، فيكثر أن يقترن مفعوله بلام التقوية ، ومع تأخيره عن معموله .  
[ ص: 504 ] وتقديم ( لربه ) لإفادة الاهتمام بمتعلق هذا الكنود لتشنيع هذا الكنود بأنه للرب الذي هو أحق الموجودات بالشكر ، وأعظم ذلك شرك المشركين ، ولذلك أكد الكلام بلام الابتداء الداخلة على خبر ( إن ) للتعجيب من هذا الخبر . 
وتقديم ( لربه ) على عامله المقترن بلام الابتداء ، وهي من ذوات الصدر ; لأنهم يتوسعون في المجرورات والظروف ، 
وابن هشام  يرى أن لام الابتداء الواقعة في خبر ( إن ) ليست بذات صدارة . 
وضمير 
وإنه على ذلك لشهيد عائد إلى الإنسان على حسب الظاهر الذي يقتضيه انتساق الضمائر واتحاد المتحدث عنه وهو قول الجمهور . 
والشهيد : يطلق على الشاهد ، وهو الخبر بما يصدق دعوى مدع ، ويطلق على الحاضر ، ومنه جاء إطلاقه على العالم الذي لا يفوته المعلوم ، ويطلق على المقر لأنه شهد على نفسه . 
والشهيد هنا : إما بمعنى المقر كما في ( أشهد أن لا إله إلا الله ) . 
والمعنى : أن الإنسان مقر بكنوده لربه من حيث لا يقصد الإقرار ، وذلك في فلتات الأقوال ، مثل قول المشركين في أصنامهم 
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى   . وهذا قول يلزمه اعترافهم بأنهم عبدوا ما لا يستحق أن يعبد ، وأشركوا في العبادة مع المستحق للانفراد بها ، أليس هذا كنودا لربهم ، قال تعالى : 
وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين وفي فلتات الأفعال كما يعرض للمسلم في المعاصي . 
والمقصود في هذه الجملة تفظيع 
كنود الإنسان بأنه معلوم لصاحبه بأدنى تأمل في أقواله وأفعاله . وعلى هذا فحرف ( على ) متعلق بـ ( شهيد ) واسم الإشارة مشار به إلى الكنود المأخوذ من صفة ( كنود ) . 
ويجوز أن يكون ( شهيد ) بمعنى ( عليم ) ، كقول 
الحارث بن حلزة  في 
عمرو بن هند    : 
وهو الرب والشهيد على يو     م الخيارين والبلاء بلاء 
 [ ص: 505 ] ومتعلق ( شهيد ) محذوف دل عليه المقام ، أي : عليم بأن الله ربه ، أي : بدلائل الربوبية ، ويكون قوله : على ذلك بمعنى : مع ذلك ، أي : مع ذلك الكنود هو عليم بأنه ربه مستحق للشكر والطاعة لا للكنود ، فحرف ( على ) بمعنى ( مع ) كقوله : 
وآتى المال على حبه ويطعمون الطعام على حبه وقول 
الحارث بن حلزة    : 
فبقينا على الشناءة تنمي     نا حصون وعزة قعساء 
والجار والمجرور في موضع الحال وذلك زيادة في التعجب من كنود الإنسان . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  والحسن  وسفيان    : ضمير ( وإنه ) عائد إلى ربه ، أي : وإن الله على ذلك لشهيد ، والمقصود أن الله يعلم ذلك في نفس الإنسان ، وهذا تعريض بالتحذير من الحساب عليه . وهذا يسوغه أن الضمير عائد إلى أقرب مذكور ، ونقل عن 
مجاهد  وقتادة  كلا الوجهين ، فلعلهما رأيا جواز المحملين وهو أولى . 
وتقديم على ذلك على ( شهيد ) للاهتمام والتعجب ومراعاة الفاصلة . 
والشديد : البخيل . قال 
أبو ذؤيب  راثيا : 
حذرناه بأثواب في قعر هوة     شديد على ما ضم في اللحد جولها 
والجول - بالفتح والضم : التراب ، كما يقال للبخيل المتشدد أيضا ، قال 
طرفة    : 
عقيلة مال الفاحش المتشدد 
واللام في 
لحب الخير لام التعليل ، والخير : المال ، قال تعالى : 
إن ترك خيرا   . 
والمعنى : 
إن في خلق الإنسان الشح لأجل حبه المال ، أي : الازدياد منه ، قال تعالى : 
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون   . 
وتقديم 
لحب الخير على متعلقه للاهتمام بغرابة هذا المتعلق ولمراعاة الفاصلة ، وتقديمه على عامله المقترن بلام الابتداء وهي من ذوات الصدر لأنه مجرور كما علمت في قوله : 
لربه لكنود   . 
وحب المال يبعث على منع المعروف ، وكان العرب يعيرون بالبخل وهم مع   
[ ص: 506 ] ذلك يبخلون في الجاهلية بمواساة الفقراء والضعفاء ، ويأكلون أموال اليتامى ، ولكنهم يسرفون في الإنفاق في مظان السمعة ومجالس الشرب وفي الميسر . قال تعالى : ( 
ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما   ) .