القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة 
الافتتاح بلفظ القارعة افتتاح مهول ، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به . 
وهو مرفوع إما على الابتداء و 
ما القارعة خبره ويكون هنالك منتهى الآية .  
[ ص: 510 ] فالمعنى : القارعة شيء عظيم هي . وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهي بقوله : ما القارعة . 
وإما أن تكون ( القارعة ) الأول مستقلا بنفسه ، وعد آية عند 
أهل الكوفة   فيقدر خبر عنه محذوف نحو : القارعة قريبة ، أو يقدر فعل محذوف نحو أتت القارعة ، ويكون قوله : 
ما القارعة استئنافا للتهويل ، وجعل آية ثانية عند 
أهل الكوفة   وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها . 
وإعادة لفظ القارعة إظهار في مقام الإضمار عدل عن أن يقال : القارعة ما هيه ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع ، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر . 
والقارعة : وصف من القرع وهو ضرب الجسم بآخر بشدة لها صوت . وأطلق القرع مجازا على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثر خوف أو اتعاظ ، يقال : قرع فلانا ، أي : زجره وعنفه بصوت غضب . وفي المقامة الأولى ( ويقرع الأسماع بزواجر وعظه . 
وأطلقت القارعة على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات ، كقوله تعالى : 
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة وقيل : تقول العرب : قرعت القوم قارعة ، إذا نزل بهم أمر فظيع ، ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن . 
وتأنيث ( القارعة ) لتأويلها بالحادثة أو الكائنة . 
و ( ما ) استفهامية ، والاستفهام مستعمل في التهويل على طريقة المجاز المرسل المركب ; لأن هول الشيء يستلزم تساؤل الناس عنه . 
فـ ( القارعة ) هنا مراد بها حادثة عظيمة ، وجمهور المفسرين على أن هذه الحادثة هي الحشر ، فجعلوا القارعة من أسماء يوم الحشر مثل القيامة ، وقيل : أريد بها صيحة النفخة في الصور ، وعن 
الضحاك    : القارعة النار ذات الزفير ، كأنه يريد أنها اسم جهنم   .  
[ ص: 511 ] وهذا التركيب نظير قوله تعالى : 
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة وقد تقدم . 
ومعنى 
وما أدراك ما القارعة زيادة تهويل أمر القارعة و ( ما ) استفهامية صادقة على شخص ، والتقدير : وأي شخص أدراك ، وهو مستعمل في تعظيم حقيقتها وهولها ; لأن هول الأمر يستلزم البحث عن تعرفه . وأدراك : بمعنى أعلمك . 
و 
ما القارعة استفهام آخر مستعمل في حقيقته ، أي : ما أدراك جواب هذا الاستفهام . وسد الاستفهام مسد مفعولي أدراك . 
وجملة 
وما أدراك ما القارعة عطف على جملة 
ما القارعة   . 
والخطاب في ( أدراك ) لغير معين ، أي : وما أدراك أيها السامع . 
وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : 
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة وتقدم بعضه عند قوله تعالى : 
وما أدراك ما يوم الدين في سورة الانفطار .