صفحة جزء
[ ص: 524 ] ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم .

أعقب التوبيخ والوعيد على لهوهم بالتكاثر عن النظر في دعوة الإسلام من حيث إن التكاثر صدهم عن قبول ما ينجيهم ، بتهديد وتخويف من مؤاخذتهم على ما في التكاثر من نعيم تمتعوا به في الدنيا ولم يشكروا الله عليه بقوله تعالى : ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ، أي : عن النعيم الذي خولتموه في الدنيا فلم تشكروا الله عليه وكان به بطركم .

وعطف هذا الكلام بحرف ( ثم ) الدال على التراخي الرتبي في عطفه الجمل من أجل أن الحساب على النعيم الذي هو نعمة من الله أشد عليهم ؛ لأنهم ما كانوا يترقبونه ; لأن تلبسهم بالإشراك وهم في نعيم أشد كفرانا للذي أنعم عليهم .

والنعيم : اسم لما يلذ ‌‌‌لإنسان مما ليس ملازما له ، فالصحة وسلامة الحواس وسلامة الإدراك والنوم واليقظة ليست من النعيم ، وشرب الماء وأكل الطعام والتلذذ بالمسموعات وبما فيه فخر وبرؤية المحاسن ، تعد من النعيم .

والنعيم أخص من النعمة بكسر النون ومرادف للنعمة بفتح النون .

وتقدم النعيم عند قوله تعالى : لهم فيها نعيم مقيم في سورة براءة .

والخطاب موجه إلى المشركين على نسق الخطابات السابقة .

والجملة المضاف إليها ( إذ ) من قوله : ( يومئذ ) محذوفة دل عليها قوله : لترون الجحيم أي : يوم إذ ترون الجحيم يغلظ عليكم العذاب .

وهذا السؤال عن النعيم الموجه إلى المشركين هو غير السؤال الذي يسأله كل منعم عليه فيما صرف فيه النعمة ، فإن النعمة لما لم تكن خاصة بالمشركين خلافا للتكاثر كان السؤال عنها حقيقا بكل منعم عليه وإن اختلفت أحوال الجزاء المترتب على هذا السؤال .

ويؤيده ما ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فإذا هو بأبي بكر وعمر فقاما معه ، فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته ، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ثم قال : الحمد [ ص: 525 ] لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني ، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب وأخذ المدية فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة الحديث . فهذا سؤال عن النعيم ثبت بالسنة وهو غير الذي جاء في هذه الآية . والأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك .

ومعنى الحديث : لتسألن عن شكر تلك النعمة ، أراد تذكيرهم بالشكر في كل نعمة . وسؤال المؤمنين سؤال لترتيب الثواب على الشكر أو لأجل المؤاخذة بالنعيم الحرام .

وذكر القرطبي عن الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ، وروي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنب وما عذب ، أنخاف أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه ؟ فقال - عليه السلام - : ذلك للكفار ، ثم قرأ ( وهل يجازى إلا الكفور ) .

قال القشيري : والجمع بين الأخبار أن الكل يسألون ، ولكن سؤال الكافر سؤال توبيخ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف لأنه شكر .

والجملة المضاف إليها ( إذ ) من قوله : ( يومئذ ) محذوفة دل عليها قوله : لترون الجحيم أي : يوم إذ ترون الجحيم فيغلظ عليكم العذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية