صفحة جزء
[ ص: 608 ] [ ص: 609 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الإخلاص

المشهور في تسميتها في عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - وفيما جرى من لفظه وفي أكثر ما روي عن الصحابة تسميتها ( سورة قل هو الله أحد ) .

روى الترمذي عن أبي هريرة ، وروى أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن أم كلثوم بنت عقبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) وهو ظاهر في أنه أراد تسميتها بتلك الجملة لأجل تأنيث الضمير من قوله ( تعدل ) فإنه على تأويلها بمعنى السورة .

وقد روي عن جمع من الصحابة ما فيه تسميتها بذلك ، فذلك هو الاسم الوارد في السنة .

ويؤخذ من حديث البخاري عن إبراهيم عن أبي سعيد الخدري ما يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الله الواحد الصمد ) ثلث القرآن فذكر ألفاظا تخالف ما تقرأ به ، ومحمله على إرادة التسمية . وذكر القرطبي أن رجلا لم يسمه قرأ كذلك والناس يستمعون وادعى أن ما قرأ به هو الصواب وقد ذمه القرطبي وسبه .

وسميت في أكثر المصاحف وفي معظم التفاسير وفي جامع الترمذي ( سورة الإخلاص ) واشتهر هذا الاسم لاختصاره وجمعه معاني هذه السورة ; لأن فيها تعليم الناس إخلاص العبادة لله تعالى ، أي : سلامة الاعتقاد من الإشراك بالله غيره في الإلهية .

وسميت في بعض المصاحف التونسية سورة التوحيد لأنها تشتمل على إثبات أنه تعالى واحد .

وفي الإتقان أنها تسمى سورة الأساس لاشتمالها على توحيد الله وهو [ ص: 610 ] أساس الإسلام . وفي الكشاف ( روي عن أبي وأنس عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أست السماوات السبع والأرضون السبع على ( قل هو الله أحد ) . يعني : ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته .

وذكر في الكشاف : أنها وسورة الكافرون تسميان المقشقشتين ، أي : المبرئتين من الشرك ومن النفاق .

وسماها البقاعي في نظم الدرر سورة الصمد ، وهو من الأسماء التي جمعها الفخر . وقد عقد الفخر في التفسير الكبير فصلا لأسماء هذه السورة فذكر لها عشرين اسما بإضافة عنوان سورة إلى كل اسم منها ولم يذكر أسانيدها ، فعليك بتتبعها على تفاوت فيها وهي : التفريد ، والتجريد ; ( لأنه لم يذكر فيها سوى صفاته السلبية التي هي صفات الجلال ) ، والتوحيد ( كذلك ) ، والإخلاص ( لما ذكرناه آنفا ) ، والنجاة ( لأنها تنجي من الكفر في الدنيا ومن النار في الآخرة ) ، والولاية ; ( لأن من عرف الله بوحدانيته فهو من أوليائه المؤمنين الذين لا يتولون غير الله ) ، والنسبة ( لما روي أنها نزلت لما قال المشركون : انسب لنا ربك ، كما سيأتي ) ، والمعرفة ( لأنها أحاطت بالصفات التي لا تتم معرفة الله إلا بمعرفتها ) ، والجمال ( لأنها جمعت أصول صفات الله وهي أجمل الصفات وأكملها ، ولما روي أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله جميل يحب الجمال فسألوه عن ذلك فقال : أحد صمد لم يلد ولم يولد ) . والمقشقشة ( يقال : قشقش الدواء الجرب إذا أبرأه لأنها تقشقش من الشرك ، وقد تقدم آنفا أنه اسم لسورة الكافرون أيضا ) ، والمعوذة ( لقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن مظعون وهو مريض فعوذه بها وبالسورتين اللتين بعدها وقال له : تعوذ بها ) . والصمد ( لأن هذا اللفظ خص بها ) ، والأساس ( لأنها أساس العقيدة الإسلامية ) ، والمانعة ( لما روي أنها تمنع عذاب القبر ولفحات النار ) والمحضر ; ( لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت ) ، و المنفرة ( لأن الشيطان ينفر عند قراءتها ) ، والبراءة ( لأنها تبرئ من الشرك ) ، والمذكرة ( لأنها تذكر خالص التوحيد الذي هو مودع في الفطرة ) ، والنور ( لما روي أن نور القرآن قل هو الله أحد ) ، والأمان ( لأن من اعتقد ما فيها أمن من العذاب .

[ ص: 611 ] وبضميمة اسمها المشهور ( قل هو الله أحد ) تبلغ أسماؤها اثنين وعشرين ، وقال الفيروز آبادي في بصائر التمييز : إنها تسمى الشافية فتبلغ واحدا وعشرين اسما .

وهي مكية في قول الجمهور ، وقال قتادة والضحاك والسدي وأبو العالية والقرظي : هي مدنية ونسب كلا القولين إلى ابن عباس .

ومنشأ هذا الخلاف الاختلاف في سبب نزولها ، فروى الترمذي عن أبي بن كعب ، وروى عبيد العطار عن ابن مسعود ، وأبو يعلى عن جابر بن عبد الله أن قريشا قالوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك . فنزلت قل هو الله أحد إلى آخرها ، فتكون مكية .

وروى أبو صالح عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد أتيا النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقال عامر : إلام تدعونا ؟ قال : إلى الله ، قال : صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب ؟ ( يحسب لجهله أن الإله صنم كأصنامهم من معدن أو خشب أو حجارة ) فنزلت هذه السورة ، فتكون مدنية لأنهما ما أتياه إلا بعد الهجرة . وقال الواحدي : إن أحبار اليهود ( منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف قالوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم : صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك ، فنزلت .

والصحيح أنها مكية ، فإنها جمعت أصل التوحيد وهو الأكثر فيما نزل من القرآن بمكة ، ولعل تأويل من قال : إنها نزلت حينما سأل عامر بن الطفيل وأربد ، أو حينما سأل أحبار اليهود أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قرأ عليهم هذه السورة ، فظنها الراوي من الأنصار نزلت ساعتئذ ، أو لم يضبط الرواة عنهم عبارتهم تمام الضبط .

قال في الإتقان : وجمع بعضهم بين الروايتين بتكرر نزولها ، ثم ظهر لي ترجيح أنها مدنية كما بينته في أسباب النزول اهـ .

وعلى الأصح من أنها مكية عدت السورة الثانية والعشرين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الناس وقبل سورة النجم .

[ ص: 612 ] وآياتها عند أهل العدد بالمدينة والكوفة والبصرة أربع ، وعند أهل مكة والشام خمس باعتبار لم يلد آية ولم يولد آية .

التالي السابق


الخدمات العلمية