قل هو الله أحد 
افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالى : 
قل يا أيها الكافرون   . 
ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى ، وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين : انسب لنا ربك ، فكانت جوابا عن سؤالهم فلذلك قيل له ( قل ) كما قال تعالى : 
قل الروح من أمر ربي فكان للأمر بفعل ( قل ) فائدتان . 
وضمير ( هو ) ضمير الشأن لإفادة الاهتمام بالجملة التي بعده ، وإذا سمعه الذين سألوا تطلعوا إلى ما بعده . 
ويجوز أن يكون ( هو ) أيضا عائدا إلى الرب في سؤال المشركين حين قالوا : انسب لنا ربك . 
ومن العلماء من عد ضمير ( هو ) في هذه السورة اسما من أسماء الله الحسنى ، وهي طريقة صوفية درج عليها 
 nindex.php?page=showalam&ids=16785فخر الدين الرازي  في شرح الأسماء الحسنى نقله   
[ ص: 613 ]  nindex.php?page=showalam&ids=14120ابن عرفة  عنه في تفسيره ، وذكر 
الفخر  ذلك في مفاتيح الغيب ، ولا بد من المزج بين كلاميه . 
وحاصلهما 
قوله : قل هو الله أحد فيها ثلاثة أسماء لله تعالى تنبيها على ثلاثة مقامات   . 
الأول : مقام السابقين المقربين الناظرين إلى حقائق الأشياء من حيث هي هي ، فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله ; لأنه هو الذي لأجله يجب وجوده فما سوى الله عندهم معدوم ، فقوله ( هو ) إشارة مطلقة . ولما كان المشار إليه معينا انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين فكان قوله ( هو ) إشارة من هؤلاء المقربين إلى الله فلم يفتقروا في تلك الإشارة إلى مميز ، فكانت لفظة ( هو ) كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء . المقام الثاني مقام أصحاب اليمين المقتصدين فهم شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الممكنات موجودة فحصلت كثرة في الموجودات فلم تكن لفظة ( هو ) تامة الإفادة في حقهم فافتقروا معها إلى مميز فقيل لأجلهم 
هو الله   . 
والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهم الذين يجوزون تعدد الآلهة فقرن لفظ ( أحد ) بقوله : 
هو الله إبطالا لمقالتهم اهـ . 
فاسمه تعالى العلم ابتدئ به قبل إجراء الأخبار عليه ليكون ذلك طريق استحضار صفاته كلها عند التخاطب بين المسلمين وعد المحاجة بينهم وبين المشركين ، فإن هذا الاسم معروف عند جميع العرب ، فمسماه لا نزاع في وجوده ، ولكنهم كانوا يصفونه بصفات تنزه عنها . 
أما ( أحد ) فاسم بمعنى ( واحد ) . وأصل همزته الواو ، فيقال : وحد كما يقال أحد ، قلبت الواو همزة على غير قياس لأنها مفتوحة ( بخلاف قلب واو وجوه ) ومعناه منفرد ، قال 
النابغة    : 
كأن رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد 
أي : كأني وضعت الرجل على ثور وحش أحس بإنسي وهو منفرد عن قطيعه . 
وهو صفة مشبهة مثل حسن ، يقال : وحد مثل كرم ، ووحد مثل فرح .   
[ ص: 614 ] وصيغة الصفة المشبهة تفيد تمكن الوصف في موصوفها بأنه ذاتي له ، فلذلك أوثر ( أحد ) هنا على ( واحد ) ; لأن ( واحدا ) اسم فاعل لا يفيد التمكن . فـ ( واحد ) و ( أحد ) وصفان مصوغان بالتصريف لمادة متحدة وهي مادة الوحدة يعني : التفرد . 
هذا هو أصل إطلاقه وتفرعت عنه إطلاقات صارت حقائق للفظ ( أحد ) ، أشهرها أنه يستعمل اسما بمعنى إنسان في خصوص النفي نحو قوله تعالى : 
لا نفرق بين أحد من رسله في البقرة ، وقوله : 
ولا أشرك بربي أحدا في الكهف وكذلك إطلاقه على العدد في الحساب نحو : أحد عشر ، وأحد وعشرين ، ومؤنثه إحدى ، ومن العلماء من خلط بين ( واحد ) وبين ( أحد ) فوقع في ارتباك . 
فوصف الله بأنه أحد معناه : أنه منفرد بالحقيقة التي لوحظت في اسمه العلم وهي الإلهية المعروفة ، فإذا قيل 
الله أحد فالمراد أنه منفرد بالإلهية . وإذا قيل الله واحد ، فالمراد أنه واحد لا متعدد فمن دونه ليس بإله . ومآل الوصفين إلى معنى نفي الشريك له تعالى في إلهيته . 
فلما أريد في صدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليما للناس كلهم وإبطالا لعقيدة الشرك وصف الله في هذه السورة بـ ( أحد ) ولم يوصف بـ ( واحد ) ; لأن الصفة المشبهة نهاية ما يمكن به تقريب معنى وحدة الله تعالى إلى عقول أهل اللسان العربي المبين . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا  في تفسير له لهذه السورة : إن ( أحدا ) دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلا ، لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول ، ولا كثرة حسية وهي كثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلا كما في المادة والصورة ، والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم ، وذلك متضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل ، والمادة والصورة ، والأعراض والأبعاض ، والأعضاء والأشكال ، والألوان ، وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل على أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء . وتبيينه : أما الواحد فمقول على ما تحته بالتشكيك ، والذي لا ينقسم بوجهه أصلا أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه ، والذي لا ينقسم   
[ ص: 615 ] انقساما عقليا أولى بالواحدية من الذي ينقسم انقساما بالحس بالقوة ثم بالفعل ، فأحد جامع للدلالة على الواحدية من جميع الوجوه وأنه لا كثرة في موصوفه اهـ . 
قلت : قد فهم المسلمون هذا ، فقد روي أن 
بلالا  كان إذا عذب على الإسلام يقول : أحد أحد   . وكان شعار المسلمين يوم 
بدر    : أحد أحد . 
والذي درج عليه أكثر الباحثين في أسماء الله تعالى أن ( أحدا ) ليس ملحقا بالأسماء الحسنى ; لأنه لم يرد ذكره في حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  عند 
الترمذي  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002932إن لله تسعا وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة   . وعدها ولم يذكر فيها وصف أحد ، وذكر وصف واحد ، وعلى ذلك درج إمام الحرمين في كتاب الإرشاد وكتاب اللمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي  في شرح الأسماء الحسنى . 
وقال 
الفهري  في شرحه على لمع الأدلة لإمام الحرمين عند ذكر اسمه تعالى ( الواحد ) . وقد ورد في بعض الروايات الأحد فلم يجمع بين الاسمين في اسم . 
ودرج 
ابن برجان الإشبيلي  في شرح الأسماء والشيخ 
محمد بن محمد الكومي    ( بالميم ) التونسي ، 
ولطف الله الأرضرومي  في معارج النور ، على عد أحد في عداد الأسماء الحسنى مع اسمه الواحد فقالا : الواحد الأحد بحيث هو كالتأكيد له كما يقتضيه عدهم الأسماء تسعة وتسعين ، وهذا بناء على أن حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  لم يقتض حصر 
الأسماء الحسنى في التسعة والتسعين ، وإنما هو لبيان فضيلة تلك الأسماء المعدودة فيه . 
والمعنى أن الله منفرد بالإلهية لا يشاركه فيها شيء من الموجودات ، وهذا إبطال للشرك الذي يدين به أهل الشرك ، وللتثليث الذي أحدثه النصارى الملكانية وللثانوية عند 
المجوس  ، وللعد الذي لا يحصى عند البراهمة . 
فقوله : 
الله أحد نظير قوله في الآية الأخرى 
إنما الله إله واحد وهذا هو المعنى الذي يدركه المخاطبون في هذه الآية السائلون عن نسبة الله ، أي : حقيقته ،   
[ ص: 616 ] فابتدئ لهم بأنه واحد ليعلموا أن الأصنام ليست من الإلهية في شيء . 
ثم إن الأحدية تقتضي الوجود لا محالة فبطل قول المعطلة والدهريين . 
وقد 
اصطلح علماء الكلام من أهل السنة على استخراج الصفات السلبية الربانية من معنى الأحدية   ; لأنه إذا كان منفردا بالإلهية كان مستغنيا عن المخصص بالإيجاب ; لأنه لو افتقر إلى من يوجده لكان من يوجده إلها أول منه ; فلذلك كان وجود الله قديما غير مسبوق بعدم ولا محتاج إلى مخصص بالوجود بدلا عن العدم ، وكان مستعينا على الإمداد بالوجود فكان باقيا ، وكان غنيا عن غيره ، وكان مخالفا للحوادث وإلا لاحتاج مثلها إلى المخصص فكان وصفه تعالى بـ ( أحد ) جامعا للصفات السلبية . ومثل ذلك يقال في مرادفه وهو وصف واحد . 
واصطلحوا على أن أحدية الله أحدية واجبة كاملة ، فالله تعالى واحد من جميع الوجوه ، وعلى كل التقادير فليس لكنه الله كثرة أصلا لا كثرة معنوية وهي تعدد المقومات من الأجناس والفصول التي تتقوم منها المواهي ، ولا كثرة الأجزاء في الخارج التي تتقوم منها الأجسام . فأفاد وصف ( أحد ) أنه منزه عن الجنس والفصل والمادة والصورة ، والأعراض والأبعاض ، والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما ينافي الوحدة الكاملة كما أشار إليه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا    . 
قال في الكشاف : وفي قراءة النبيء - صلى الله عليه وسلم - 
الله أحد بغير قل هو اهـ ولعله أخذه مما روى أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002933من قرأ ( الله أحد ) كان بعدل ثلث القرآن كما ذكره بأثر قراءة 
أبي  بدون ( قل ) مما تأوله 
الطيبي ،  إذ قال وهذا استشهاد على هذه القراءة . 
وعندي إن صح ما روي من القراءة أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بها التلاوة ، وإنما قصد الامتثال لما أمر بأن يقول ، وهذا كما كان يكثر أن يقول ( سبحان ربي العظيم وبحمده اللهم اغفر لي ) يتأول قوله تعالى : 
فسبح بحمد ربك واستغفره   .