أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير   . 
عطف الاستفهام الإنكاري التعجيبي على ما تقدم ، فإن قولهم أنى هذا مما ينكر ويتعجب السامع من صدوره منهم بعد ما علموا ما أتوا من أسباب المصيبة ، إذ لا ينبغي أن يخفى على ذي فطنة ، وقد جاء موقع هذا الاستفهام بعد ما تكرر : من 
تسجيل تبعة الهزيمة عليهم بما ارتكبوا من عصيان أمر الرسول ، ومن العجلة إلى الغنيمة ، وبعد أن أمرهم بالرضا بما وقع ، وذكرهم النصر الواقع يوم 
بدر  ، عطف على ذلك هنا إنكار تعجبهم من إصابة الهزيمة إياهم .  
[ ص: 161 ] ولما اسم زمان مضمن معنى الشرط فيدل على وجود جوابه لوجود شرطه ، وهو ملازم الإضافة إلى جملة شرطه ، فالمعنى : قلتم لما أصابتكم مصيبة : أنى هذا . 
وجملة قد أصبتم مثليها صفة ل ( مصيبة ) ، ومعنى أصبتم غلبتم العدو ونلتم منه مثلي ما أصابكم به ، يقال : أصاب إذا غلب ، قال قطري بن الفجاءة : 
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب جذع البصيرة قارح الإقدام 
والمراد بمثليها المساويان في الجنس أو القيمة باعتبار جهة المماثلة أي : إنكم قد نلتم مثلي ما أصابكم ، والمماثلة هنا مماثلة في القدر والقيمة ، لا في الجنس ، فإن رزايا الحرب أجناس : قتل ، وأسر ، وغنيمة ، وأسلاب ، 
فالمسلمون أصابهم يوم أحد القتل   : إذ قتل منهم سبعون ، وكانوا قد قتلوا من المشركين 
يوم بدر  سبعين ، فهذا أحد المثلين ، ثم إنهم أصابوا من المشركين أسرى يوم بدر فذلك مثل آخر في المقدار إذ الأسير كالقتيل ، أو أريد أنهم يوم أحد أصابوا قتلى إلا أن عددهم أقل فهو مثل في الجنس لا في المقدار والقيمة . 
و ( أنى ) استفهام بمعنى من أين قصدوا به التعجب والإنكار ، وجملة قلتم أنى هذا جواب لما ، والاستفهام بـ ( أنى ) هنا مستعمل في التعجب . 
ثم ذيل الإنكار والتعجب بقوله 
قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير أي إن الله قدير على نصركم وعلى خذلانكم ، فلما عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدر الله لكم الخذلان .