لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور   . 
استئناف لإيقاظ المؤمنين إلى 
ما يعترض أهل الحق وأنصار الرسل من البلوى ، وتنبيه لهم على أنهم إن كانوا ممن توهنهم الهزيمة فليسوا أحرياء بنصر الحق ، وأكد الفعل بلام القسم وبنون التوكيد الشديدة لإفادة تحقيق الابتلاء ، إذ نون التوكيد الشديدة أقوى في الدلالة على التوكيد من الخفيفة . 
فأصل " لتبلون " لتبلوونن فلما توالى ثلاث نونات ثقل في النطق فحذفت نون الرفع فالتقى ساكنان : واو الرفع ونون التوكيد الشديدة ، فحذفت واو الرفع لأنها ليست أصلا في الكلمة فصار لتبلون . وكذلك القول في تصريف قوله تعالى " ولتسمعن " وفي توكيده .  
[ ص: 190 ] والابتلاء : الاختبار ، ويراد به هنا لازمة وهو المصيبة ، لأن في المصائب اختبارا لمقدار الثبات . والابتلاء في الأموال هو نفقات الجهاد ، وتلاشي أموالهم التي تركوها 
بمكة    . والابتلاء في الأنفس هو القتل والجراح . وجمع مع ذلك سماع المكروه من أهل الكتاب والمشركين في يوم 
أحد  وبعده . 
والأذى هو الضر بالقول كقوله تعالى 
لن يضروكم إلا أذى كما تقدم آنفا ، ولذلك وصفه هنا بالكثير ، أي الخارج عن الحد الذي تحتمله النفوس غالبا ، وكل ذلك مما يفضي إلى الفشل ، فأمرهم الله بالصبر على ذلك حتى يحصل لهم النصر ، وأمرهم بالتقوى أي الدوام على أمور الإيمان والإقبال على بثه وتأييده ، فأما 
الصبر على الابتلاء في الأموال والأنفس فيشمل الجهاد ، وأما الصبر على الأذى ففي وقتي الحرب والسلم ، فليست الآية مقتضية عدم الإذن بالقتال من حيث إنه أمرهم بالصبر على أذى الكفار حتى تكون منسوخة بآيات السيف ، لأن الظاهر أن الآية نزلت بعد وقعة 
أحد ،  وهي بعد الأمر بالقتال . قاله 
القفال    . 
وقوله " فإن ذلك " الإشارة إلى ما تقدم من الصبر والتقوى بتأويل : فإن المذكور . و 
عزم الأمور من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور العزم ، ووصف الأمور وهو جمع بعزم وهو مفرد لأن أصل عزم أنه مصدر فيلزم لفظه حالة واحدة ، وهو هنا مصدر بمعنى المفعول ، أي من الأمور المعزوم عليها . والعزم إمضاء الرأي وعدم التردد بعد تبيين السداد . قال تعالى 
وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله والمراد هنا العزم في الخيرات قال تعالى 
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال 
ولم نجد له عزما   . 
ووقع قوله 
فإن ذلك من عزم الأمور دليلا على جواب الشرط ، والتقدير : 
وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم 
فإن ذلك من عزم الأمور   .