ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا   . 
الأظهر أن الواو للحال من ضمير 
يدخلون الجنة الذي ماصدقه المؤمنون الصالحون ، فلما ذكر ثواب المؤمنين أعقبه بتفضيل دينهم . والاستفهام إنكاري . وانتصب دينا على التمييز . 
وإسلام الوجه كناية عن تمام الطاعة والاعتراف بالعبودية ، وهو أحسن الكنايات ، لأن الوجه أشرف الأعضاء ، وفيه ما كان به الإنسان إنسانا ، وفي القرآن 
فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني   . والعرب تذكر أشياء من هذا القبيل كقوله 
لنسفعا بالناصية ، ويقولون : أخذ بساقه ، أي تمكن منه ، وكأنه تمثيل لإمساك الرعاة الأنعام . 
وفي الحديث 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341580الطلاق لمن أخذ بالساق   . ويقولون : ألقى إليه القياد ، وألقى إليه الزمام ، وقال 
زيد بن عمرو بن نفيل    : 
يقول أنفي لك عان راغم 
ويقولون : يدي رهن لفلان . وأراد بإسلام الوجه الاعتراف بوجود الله ووحدانيته . وقد تقدم ما فيه بيان لهذا عند قوله تعالى 
إن الدين عند الله الإسلام وقوله 
وأوصى بها إبراهيم بنيه   .  
[ ص: 211 ] وجملة 
وهو محسن حال قصد منها اتصافه بالإحسان حين إسلامه وجهه لله ، أي خلع الشرك قاصدا الإحسان ، أي راغبا في الإسلام لما رأى فيه من الدعوة إلى الإحسان . ومعنى 
واتبع ملة إبراهيم حنيفا أنه اتبع شريعة الإسلام التي هي على أسس ملة 
إبراهيم    . فهذه ثلاثة أوصاف بها يكمل معنى الدخول في الإسلام ، ولعلها هي : الإيمان ، والإحسان ، والإسلام . ولك أن تجعل معنى 
أسلم وجهه لله أنه دخل في الإسلام ، وأن قوله 
وهو محسن مخلص راغب في الخير ، وأن اتباع ملة 
إبراهيم  عنى به التوحيد . وتقدم أن حنيفا معناه مائلا عن الشرك أو متعبدا . وإذا جعلت معنى قوله 
وهو محسن أي عامل الصالحات كان قوله 
واتبع ملة إبراهيم حنيفا بمنزلة عطف المرادف وهو بعيد . 
وقوله 
واتخذ الله إبراهيم خليلا عطف ثناء 
إبراهيم  على مدح من اتبع دينه : زيادة تنويه بدين 
إبراهيم ،  فأخبر أن الله اتخذ 
إبراهيم  خليلا . والخليل في كلام العرب الصاحب الملازم الذي لا يخفى عنه شيء من أمور صاحبه ، مشتق من الخلال ، وهو النواحي المتخللة للمكان 
فترى الودق يخرج من خلاله وفجرنا خلالهما نهرا   . هذا أظهر الوجوه في اشتقاق الخليل . ويقال : خل وخل بكسر الخاء وضمها ومؤنثه : خلة بضم الخاء ، ولا يقال بكسر الخاء ، قال 
كعب    : 
أكرم بها خلة لو أنها صدقت 
وجمعها خلائل . وتطلق الخلة - بضم الخاء - على الصحبة الخالصة 
لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ، وجمعها خلال 
من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال   . ومعنى 
اتخاذ الله إبراهيم  خليلا شدة رضا الله عنه ، إذ قد علم كل أحد أن الخلة الحقيقية تستحيل على الله فأريد لوازمها وهي الرضا ، واستجابة الدعوة ، وذكره بخير ، ونحو ذلك . 
وجملة 
ولله ما في السماوات وما في الأرض إلخ تذييل جعل كالاحتراس ، على أن المراد بالخليل لازم معنى الخلة ، وليست هي كخلة الناس مقتضية المساواة أو التفضيل . فالمراد منها الكناية عن عبودية 
إبراهيم  في جملة 
ما في السماوات وما في الأرض   . والمحيط : العليم .