صفحة جزء
إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما .

عقب التعريض بالمنافقين من قوله لا تتخذوا الكافرين أولياء كما تقدم بالتصريح بأن المنافقين أشد أهل النار عذابا . فإن الانتقال من النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء إلى ذكر حال المنافقين يؤذن بأن الذين اتخذوا الكافرين أولياء معدودون من المنافقين ، فإن لانتقالات جمل الكلام معاني لا يفيدها الكلام لما تدل عليه من ترتيب الخواطر في الفكر .

[ ص: 244 ] وجملة إن المنافقين مستأنفة استئنافا بيانيا ، ثانيا إذ هي عود إلى أحوال المنافقين . وتأكيد الخبر بـ " إن " لإفادة أنه لا محيص لهم عنه .

والدرك : اسم جمع " دركة " ، ضد الدرج اسم جمع درجة . والدركة المنزلة في الهبوط . فالشيء الذي يقصد أسفله تكون منازل التدلي إليه دركات ، والشيء الذي يقصد أعلاه تكون منازل الرقي إليه درجات ، وقد يطلق الاسمان على المنزلة الواحدة باختلاف الاعتبار ، وإنما كان المنافقون في الدرك الأسفل ، أي في أذل منازل العذاب ، لأن كفرهم أسوأ الكفر لما حف به من الرذائل .

وقرأ الجمهور : ( في الدرك ) بفتح الراء على أنه اسم جمع " دركة " ضد الدرجة . وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بسكون الراء وهما لغتان . وفتح الراء هو الأصل ، وهو أشهر .

والخطاب في ولن تجد لهم نصيرا لكل من يصح منه سماع الخطاب ، وهو تأكيد للوعيد ، وقطع لرجائهم ، لأن العرب ألفوا الشفاعات والنجدات في المضائق . فلذلك كثر في القرآن تذييل الوعيد بقطع الطمع في النصير والفداء ونحوهما .

واستثنى من هذا الوعيد من آمن من المنافقين ، وأصلح حاله ، واعتصم بالله دون الاعتزاز بالكافرين ، وأخلص دينه لله ، فلم يشبه بتردد ولا تربص بانتظار من ينتصر من الفريقين : المؤمنين والكافرين ، فأخبر أن من صارت حاله إلى هذا الخير فهو مع المؤمنين وفي لفظ " مع " إيماء إلى فضيلة من آمن من أول الأمر ولم يصم نفسه بالنفاق لأن " مع " تدخل على المتبوع وهو الأفضل .

وجيء باسم الإشارة في قوله فأولئك مع المؤمنين لزيادة تمييز هؤلاء الذين تابوا ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة .

وقد علم الناس ما أعد الله للمؤمنين بما تكرر في القرآن ، ولكن زاده هنا تأكيدا بقوله وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما . وحرف التنفيس هنا دل على أن المراد من الأجر أجر الدنيا وهو النصر وحسن العاقبة وأجر الآخرة ، إذ الكل مستقبل ، وأن ليس المراد منه الثواب لأنه حصل من قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية