[ ص: 123 ] والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين   . 
عطف 
والمحصنات من المؤمنات على 
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم عطف المفرد على المفرد . ولم يعرج المفسرون على بيان المناسبة لذكر حل المحصنات من المؤمنات في أثناء إباحة طعام أهل الكتاب ، وإباحة تزوج نسائهم . وعندي : أنه إيماء إلى أنهن أولى بالمؤمنين من محصنات أهل الكتاب ، والمقصود هو حكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فإن هذه الآية جاءت لإباحة 
التزوج بالكتابيات   . فقوله 
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب عطف على 
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم   . فالتقدير : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لكم . 
والمحصنات : النسوة الاء أحصنهن ما أحصنهن ، أي منعهن عن الخنا أو عن الريب ، فأطلق الإحصان على المعصومات بعصمة الأزواج كما في قوله تعالى في سورة النساء عطفا على المحرمات 
والمحصنات من النساء وعلى المسلمات لأن الإسلام وزعهن عن الخنا ، قال الشاعر : 
ويصدهن عن الخنا الإسلام 
وأطلق على الحرائر ، لأن الحرائر يترفعن عن الخنا من عهد الجاهلية . 
ولا يصلح من هذه المعاني هنا الأول ، إذ لا يحل تزوج ذات الزوج ، ولا الثاني لقوله 
من المؤمنات الذي هو ظاهر في أنهن بعض المؤمنات فتعين معنى الحرية ، ففسرها 
مالك  بالحرائر ، ولذلك 
منع نكاح الحر   [ ص: 124 ] الأمة إلا إذا خشي العنت ولم يجد للحرائر طولا ، وجوز ذلك للعبد ، وكأنه جعل الخطاب هنا للأحرار بالقرينة وبقرينة آية النساء 
ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات وهو تفسير بين ملتئم . وأصل ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب  ومجاهد    . ومن العلماء من فسر المحصنات هنا بالعفائف ، ونقل عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي  وغيره ، فمنعوا تزوج غير العفيفة من النساء لرقة دينها وسوء خلقها . 
وكذلك القول في تفسير قوله 
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أي الحرائر عند 
مالك ،  ولذلك منع نكاح إماء أهل الكتاب مطلقا للحر والعبد . والذين فسروا المحصنات بالعفائف منعوا هنا ما منعوا هناك . 
وشمل أهل الكتاب : الذميين ، والمعاهدين ، وأهل الحرب ، وهو ظاهر ، إلا أن 
مالكا  كره 
نكاح النساء الحربيات   . وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : تخصيص الآية بغير نساء أهل الحرب ، فمنع نكاح الحربيات . ولم يذكروا دليله . 
والأجور : المهور ، وسميت هنا ( أجورا ) مجازا في معنى الأعواض عن المنافع الحاصلة من آثار عقدة النكاح ، على وجه الاستعارة أو المجاز المرسل . والمهر شعار متقادم في البشر للتفرقة بين النكاح وبين المخادنة . ولو كانت المهور أجورا حقيقة لوجب تحديد مدة الانتفاع ومقداره وذلك مما تنزه عنه عقدة النكاح . 
والقول في قوله 
محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان كالقول في نظيره 
محصنات غير مسافحات تقدم في سورة النساء . 
وجملة 
ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله معترضة بين الجمل . والمقصود التنبيه على أن إباحة تزوج نساء أهل الكتاب لا يقتضي تزكية لحالهم ، ولكن ذلك تيسير على المسلمين . وقد ذكر في سبب نزولها أن   
[ ص: 125 ] نساء أهل الكتاب قلن لولا أن الله رضي ديننا لم يبح لكم نكاحنا . 
والمراد بالإيمان الإيمان المعهود وهو إيمان المسلمين الذي بسببه لقبوا بالمؤمنين ، فالكفر هنا الكفر بالرسل ، أي : ينكر الإيمان ، أي ينكر ما يقتضيه الإيمان من المعتقدات ، إذ الإيمان صار لقبا لمجموع ما يجب التصديق به . 
والحبط بسكون الموحدة والحبوط : فساد شيء كان صالحا ، ومنه سمي الحبط بفتحتين مرض يصيب الإبل من جراء أكل الخضر في أول الربيع فتنتفخ أمعاؤها وربما ماتت . وفعل ( حبط ) يؤذن بأن الحابط كان صالحا فانقلب إلى فساد . والمراد من الفساد هنا الضياع والبطلان ، وهو أشد الفساد ، فدل فعل ( حبط ) على أن الأعمال صالحة ، وحذف الوصف لدلالة الفعل عليه . وهذا تشبيه لضياع الأعمال الصالحة بفساد الذوات النافعة ، ووجه الشبه عدم انتفاع مكتسبها منها . والمراد ضياع ثوابها وما يترقبه العامل من الجزاء عليها والفوز بها . 
والمراد التحذير من الارتداد عن الإيمان ، والترغيب في الدخول فيه كذلك ليعلم أهل الكتاب أنهم لا تنفعهم قرباتهم وأعمالهم ، ويعلم المشركون ذلك .