صفحة جزء
[ ص: 121 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأنعام

ليس لهذه السورة إلا هذا الاسم من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . روى الطبراني بسنده إلى عبد الله بن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفا من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد وورد عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وجابر بن عبد الله ، وأسماء بنت يزيد بن السكن - تسميتها في كلامهم سورة الأنعام . وكذلك ثبتت تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة .

وسميت سورة الأنعام لما تكرر فيها من ذكر لفظ الأنعام ست مرات من قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا إلى قوله : إذ وصاكم الله بهذا .

وهي مكية بالاتفاق فعن ابن عباس : أنها نزلت بمكة ليلا جملة واحدة ، كما رواه عنه عطاء ، وعكرمة ، والعوفي ، وهو الموافق لحديث ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم آنفا . وروي أن قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية ، نزل في مدة حياة أبي طالب ، أي قبل سنة عشر من البعثة ، فإذا صح كان ضابطا لسنة نزول هذه السورة . وروى الكلبي عن ابن عباس : أن ست آيات منها نزلت بالمدينة ، ثلاثا من قوله : وما قدروا الله حق قدره إلى منتهى ثلاث آيات ، وثلاثا من قوله : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى قوله : ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون . وعن أبي جحيفة أن آية ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة مدنية .

وقيل نزلت آية ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي الآية بالمدينة ، بناء على ما ذكر من سبب نزولها الآتي . وقيل : نزلت آية الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه الآية ، وآية فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به الآية ، كلتاهما بالمدينة بناء على ما ذكر من أسباب نزولهما كما سيأتي . وقال ابن العربي في أحكام القرآن عند قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية أنها في قول الأكثر [ ص: 122 ] نزلت يوم نزول قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم الآية ، أي سنة عشر ، فتكون هذه الآيات مستثناة من مكية السورة ألحقت بها . وقال ابن عطية في تفسير قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره الآية من هذه السورة . إن النقاش حكى أن سورة الأنعام كلها مدنية . ولكن قال ابن الحصار : لا يصح نقل في شيء نزل من الأنعام في المدينة . وهذا هو الأظهر وهو الذي رواه أبو عبيد ، والبيهقي ، وابن مردويه ، والطبراني ، عن ابن عباس ; وأبو الشيخ عن أبي بن كعب .

وعن ابن عباس أنها نزلت بمكة جملة واحدة ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب فكتبوها من ليلتهم .

وروى سفيان الثوري ، وشريك عن أسماء بنت يزيد الأنصارية : نزلت سورة الأنعام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة وهو في مسير وأنا آخذة بزمام ناقته إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة . ولم يعينوا هذا المسير ولا زمنه غير أن أسماء هذه لا يعرف لها مجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هجرته ولا هي معدودة فيمن بايع في العقبة الثانية حتى يقال : إنها لقيته قبل الهجرة ، وإنما المعدودة أسماء بنت عمرو بن عدي . فحال هذا الحديث غير بين . ولعله التبس فيه قراءة السورة في ذلك السفر بأنها نزلت حينئذ .

قالوا : ولم تنزل من السور الطوال سورة جملة واحدة غيرها . وقد وقع مثل ذلك في رواية شريك عن أسماء بنت يزيد كما علمته آنفا ، فلعل حكمة إنزالها جملة واحدة قطع تعلل المشركين في قولهم : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة . توهما منهم أن تنجيم نزوله يناكد كونه كتابا ، فأنزل الله سورة الأنعام . وهي في مقدار كتاب من كتبهم التي يعرفونها كالإنجيل والزبور ، ليعلموا أن الله قادر على ذلك ، إلا أن حكمة تنجيم النزول أولى بالمراعاة . وأيضا ليحصل الإعجاز بمختلف أساليب الكلام من قصر وطول وتوسط ، فإن طول الكلام قد يقتضيه المقام ، كما قال قيس بن خارجة يفخر بما عنده من الفضائل : وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب إلخ .

وقال أبو دؤاد بن جرير الإيادي يمدح خطباء إياد :

[ ص: 123 ]

يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء

واعلم أن نزول هذه السورة جملة واحدة على الصحيح لا يناكد ما يذكر لبعض آياتها من أسباب نزولها ، لأن أسباب نزول تلك الآيات إن كان لحوادث قبل الهجرة فقد تتجمع أسباب كثيرة في مدة قصيرة قبل نزول هذه السورة ، فيكون نزول تلك الآيات مسببا على تلك الحوادث ، وإن كان بعد الهجرة جاز أن تكون تلك الآيات مدنية ألحقت بسورة الأنعام لمناسبات . على أن أسباب النزول لا يلزم أن تكون مقارنة لنزول آيات أحكامها فقد يقع السبب ويتأخر تشريع حكمه .

وعلى القول الأصح أنها مكية فقد عدت هذه السورة الخامسة والخمسين في عد نزول السور . نزلت بعد سورة الحجر وقبل سورة الصافات .

وعدد آياتها مائة وسبع وستون في العدد المدني والمكي ، ومائة وخمس وستون في العدد الكوفي ، ومائة وأربع وستون في الشامي والبصري .

التالي السابق


الخدمات العلمية