صفحة جزء
قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين .

هذه الجملة وزانها وزان البيان لمضمون الجملة التي قبلها ولذلك فصلت ، فإن الجملة التي قبلها تخبر بأن الذين استهزءوا بالرسل قد حاق بهم عواقب استهزائهم ، وهذه تحدوهم إلى مشاهدة ديار أولئك المستهزئين . وليس افتتاح هذه الجملة بخطاب [ ص: 149 ] النبيء - صلى الله عليه وسلم - منافيا لكونها بيانا لأنه خوطب بأن يقول ذلك البيان . فالمقصود ما بعد القول .

وافتتاحها بالأمر بالقول لأنها واردة مورد المحاورة على قولهم لولا أنزل عليه ملك . وهذه سلسلة ردود وأجوبة على مقالتهم المحكية آنفا لتضمنها التصميم على الشرك وتكذيب الرسالة ، فكانت منحلة إلى شبه كثيرة أريد ردها وتفنيدها فكانت هاته الردود كلها مفتتحة بكلمة قل عشر مرات .

وثم للتراخي الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل ، فإن النظر في عاقبة المكذبين هو المقصد من السير ، فهو مما يرتقى إليه بعد الأمر بالسير ، ولأن هذا النظر محتاج إلى تأمل وترسم فهو أهم من السير .

والنظر يحتمل أن يكون بصريا وأن يكون قلبيا ، وعلى الاحتمالين فقد علقه الاستفهام عن نصب مفعوله أو مفعوليه . و ( كيف ) خبر لـ كان ) مقدم عليها وجوبا .

والعاقبة آخر الشيء ومآله وما يعقبه من مسبباته . ويقال : عاقبة وعقبى ، وهي اسم كالعافية والخاتمة .

وإنما وصفوا بالمكذبين دون المستهزئين للدلالة على أن التكذيب والاستهزاء كانا خلقين من أخلاقهم ، وأن الواحد من هذين الخلقين كاف في استحقاق تلك العاقبة ، إذ قال في الآية السابقة فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون وقال في هذه الآية : كيف كان عاقبة المكذبين .

وهذا رد جامع لدحض ضلالاتهم الجارية على سنن ضلالات نظرائهم من الأمم السالفة المكذبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية