صفحة جزء
وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم .

جملة معطوفة على لله من قوله قل لله الذي هو في تقدير الجملة ، أي ما في السماوات والأرض لله ، وله ما سكن .

[ ص: 155 ] والسكون استقرار الجسم في مكان ، أي حيز لا ينتقل عنه مدة ، فهو ضد الحركة ، وهو من أسباب الاختفاء ، لأن المختفي يسكن ولا ينتشر . والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح . ووجه كونه كناية أن الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة ، فهو كقوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى إلى أن قال : ومن هو مستخف بالليل . فالذي سكن الليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض ، فلما أعلمهم بأنه يملك ما في السماوات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنه بحيث يغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إياه ، لأن المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة . فهذا من ذكر الخاص بعد العام لتقرير عموم الملك لله تعالى بأن ملكه شمل الظاهرات والخفيات ، ففي هذا استدعاء ليوجهوا النظر العقلي في الموجودات الخفية وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرفات الحكمة الإلهية .

و في للظرفية الزمانية ، وهي ظرف مستقر ، لأن فعل السكون لا يتعدى إلى الزمان تعدية الظرف اللغو كما يتعدى إلى المكان لو كان بمعنى حل واستقر وهو ما لا يناسب حمل معنى الآية عليه . والكلام تمهيد لسعة العلم ، لأن شأن المالك أن يعلم مملوكاته . وتخصيص الليل بالذكر لأن الساكن في ذلك الوقت يزداد خفاء ، فهو كقوله : ولا حبة في ظلمات الأرض . وعطف النهار عليه لقصد زيادة الشمول ، لأن الليل لما كان مظنة الاختفاء فيه قد يظن أن العالم يقصد الاطلاع على الساكنات فيه بأهمية ولا يقصد إلى الاطلاع على الساكنات في النهار ، فذكر النهار لتحقيق تمام الإحاطة بالمعلومات .

وتقديم المجرور للدلالة على الحصر ، وهو حصر الساكنات في كونها له لا لغيره ، أي في كون ملكها التام له ، كما تقدم في قوله : قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله .

وقد جاء قوله : وهو السميع العليم كالنتيجة للمقدمة ، لأن المقصود من الإخبار بأن الله يملك الساكنات - التمهيد لإثبات عموم علمه ، وإلا فإن ملك المتحركات المتصرفات [ ص: 156 ] أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حراكا ، فظهر حسن وقع قوله : وهو السميع العليم عقب هذا .

و السميع العالم العظيم بالمسموعات أو بالمحسوسات . و العليم الشديد العالم بكل معلوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية