وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على شيء قدير   . 
عطف على الجمل المفتتحة بفعل ( قل ) فالخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - . 
وهذا مؤذن بأن المشركين خوفوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - أو عرضوا له بعزمهم على إصابته بشر وأذى فخاطبه الله بما يثبت نفسه وما يؤيس أعداءه من أن يستزلوه . وهذا كما حكي عن 
إبراهيم  عليه السلام 
وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ، ومن وراء ذلك إثبات أن المتصرف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنه محدث الموجودات كلها في السماء والأرض ، فجعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول - صلى الله عليه وسلم - على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم ، ووعده بحصول الخير له من أثر رضى ربه وحده عنه ، وتحدي المشركين بأنهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه . ويحصل منه رد على المشركين الذين كانوا إذا ذكروا بأن الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقروا بذلك ، ويزعمون أن آلهتهم تشفع عند الله وأنها تجلب الخير وتدفع   
[ ص: 163 ] الشر ، فلما أبطلت الآيات السابقة استحقاق الأصنام الإلهية لأنها لم تخلق شيئا ، وأوجبت عبادة المستحق الإلهية بحق ؛ أبطلت هذه الآية استحقاقهم العبادة لأنهم لا يملكون للناس ضرا ولا نفعا ، كما قال تعالى : 
قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا وقال عن 
إبراهيم  عليه السلام 
قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون   . 
وقد هيأت الجمل السابقة موقعا لهاته الجملة ، لأنه إذا تقرر أن خالق الموجودات هو الله وحده لزم من ذلك أنه مقدر أحوالهم وأعمالهم ، لأن كون ذلك في دائرة قدرته أولى وأحق بعد كون معروضات تلك العوارض مخلوقة له . فالمعروضات العارضة للموجودات حاصلة بتقدير الله لأنه تعالى مقدر أسبابها ، واضع نظام حصولها وتحصيلها ، وخالق وسائل الدواعي النفسانية إليها أو الصوارف عنها . 
والمس حقيقته وضع اليد على شيء . وقد يكون مباشرة وقد يكون بآلة ، ويستعمل مجازا في إيصال شيء إلى شيء فيستعار إلى معنى الإيصال فيكثر أن يذكر معه ما هو مستعار للآلة . ويدخل عليه حرف الآلة وهو الباء كما هنا ، فتكون فيه استعارتان تبعيتان إحداهما في الفعل والأخرى في معنى الحرف ، كما في قوله : 
ولا تمسوها بسوء   . فالمعنى : وإن يصبك الله بضر ، أو وإن ينلك من الله ضر . 
والضر بضم الضاد هو الحال الذي يؤلم الإنسان ، وهو من الشر ، وهو المنافر للإنسان . ويقابله النفع ، وهو من الخير ، وهو الملائم . والمعنى إن يقدر الله لك الضر فلا يستطيع أحد كشفه عنك إلا هو إن شاء ذلك ، لأن مقدراته مربوطة ومحوطة بنواميس ونظم لا تصل إلى تحويلها إلا قدرة خالقها . 
وقابل قوله : 
وإن يمسسك الله بضر بقوله : 
وإن يمسسك بخير مقابلة بالأعم ، لأن الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر ، للإشارة إلى أن المراد من الضر ما هو أعم ، فكأنه قيل : إن يمسسك بضر وشر وإن يمسسك بنفع وخير ، ففي الآية احتباك . وقال 
ابن عطية    : ناب الضر في هذه الآية مناب الشر والشر أعم وهو مقابل الخير . وهو من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والصنعة ، فإن من باب التكلف   
[ ص: 164 ] أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختص به ونظر هذا بقوله تعالى : 
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى   . اهـ . 
وقوله : 
فهو على كل شيء قدير جعل جوابا للشرط ؛ لأنه علة الجواب المحذوف والجواب المذكور قبله ، إذ التقدير : وإن يمسسك بخير فلا مانع له لأنه على كل شيء قدير في الضر والنفع . وقد جعل هذا العموم تمهيدا لقوله بعده : 
وهو القاهر فوق عباده   .