صفحة جزء
أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون .

جملة مستأنفة من جملة القول المأمور بأن يقوله لهم . [ ص: 169 ] فهي استئناف بعد جملة أي شيء أكبر شهادة . خص هذا بالذكر لأن نفي الشريك لله في الإلهية هو أصل الدعوة الإسلامية فبعد أن قررهم أن شهادة الله أكبر شهادة وأشهد الله على نفسه فيما بلغ ، وعليهم فيما أعرضوا وكابروا ; استأنف استفهاما على طريقة الإنكار استقصاء في الإعذار لهم فقال : أتشهدون أنتم على ما أصررتم عليه أن مع الله آلهة أخرى كما شهدت أنا على ما دعوتكم إليه ، والمقرر عليه هنا أمر ينكرونه بدلالة المقام .

وإنما جعل الاستفهام المستعمل في الإنكار عن الخبر الموكد بـ ( إن ) ولام الابتداء ليفيد أن شهادتهم هذه مما لا يكاد يصدق السامعون أنهم يشهدونها لاستبعاد صدورها من عقلاء ، فيحتاج المخبر عنهم بها إلى تأكيد خبره بمؤكدين فيقول : إنهم ليشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، فهنالك يحتاج مخاطبهم بالإنكار إلى إدخال أداة الاستفهام الإنكاري على الجملة التي من شأنها أن يحكى بها خبرهم ، فيفيد مثل هذا التركيب إنكارين : أحدهما صريح بأداة الإنكار ، والآخر كنائي بلازم تأكيد الإخبار لغرابة هذا الزعم بحيث يشك السامع في صدوره منهم .

ومعنى لتشهدون لتدعون دعوى تحققونها تحقيقا يشبه الشهادة على أمر محقق الوقوع ، فإطلاق تشهدون مشاكلة لقوله : قل الله شهيد بيني وبينكم .

والآلهة جمع إله ، وأجري عليه الوصف بالتأنيث تنبيها على أنها لا تعقل فإن جمع غير العاقل يكون وصفه كوصف الواحدة المؤنثة .

وقوله قل لا أشهد جواب للاستفهام الذي في قوله أئنكم لتشهدون لأنه بتقدير : قل أإنكم ، ووقعت المبادرة بالجواب بتبريء المتكلم من أن يشهد بذلك ، لأن جواب المخاطبين عن هذا السؤال معلوم من حالهم أنهم مقرون به فأعرض عنهم بعد سؤالهم كأنه يقول : دعنا من شهادتكم وخذوا شهادتي فإني لا أشهد بذلك .

ونظير هذا قوله تعالى : فإن شهدوا فلا تشهد معهم .

[ ص: 170 ] وجملة قل إنما هو إله واحد بيان لجملة لا أشهد فلذلك فصلت لأنها بمنزلة عطف البيان ، لأن معنى لا أشهد بأن معه آلهة هو معنى أنه إله واحد ، وأعيد فعل القول لتأكيد التبليغ .

وكلمة ( إنما ) أفادت الحصر ، أي هو المخصوص بالوحدانية . ثم بالغ في إثبات ذلك بالتبريء من ضده بقوله وإنني بريء مما تشركون . وفيه قطع للمجادلة معهم على طريقة المتاركة .

و ( ما ) في قوله مما تشركون يجوز كونها مصدرية ، أي من إشراككم . ويجوز كونها موصولة ، وهو الأظهر ، أي من أصنامكم التي تشركون بها ، وفيه حذف العائد المجرور لأن حرف الجر المحذوف مع العائد متعين تقديره بلا لبس ، وذلك هو ضابط جواز حذف العائد المجرور ، كقوله تعالى : أنسجد لما تأمرنا أي بتعظيمه ، وقوله تعالى : فاصدع بما تؤمر أي بالجهر به . وظاهر كلام التسهيل أن هذا ممنوع ، وهو غفلة من مؤلفه اغتر بها بعض شراح كتبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية