صفحة جزء
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله .

استئناف ابتدائي لتأييس المشركين من ارتداد بعض المسلمين عن الدين ، فقد كان المشركون يحاولون ارتداد بعض قرابتهم أو من لهم به صلة . كما ورد في خبر سعيد بن زيد وما لقي من عمر بن الخطاب . وقد روي أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق دعا أباه إلى عبادة الأصنام ، وأن الآية نزلت في ذلك ، ومعنى ذلك أن الآية نزلت [ ص: 300 ] مشيرة إلى ذلك وغيره وإلا فإن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة . وحاول المشركون صرف النبيء صلى الله عليه وسلم عن الدعوة إلى الإسلام وهم يرضونه بما أحب كما ورد في خبر أبي طالب .

والاستفهام إنكار وتأييس ، وجيء بنون المتكلم ومعه غيره لأن الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن المسلمين كلهم . و من دون الله متعلق بـ ندعو . والمراد بما لا ينفع ولا يضر الأصنام ، فإنها حجارة مشاهد عدم نفعها وعجزها عن الضر ، ولو كانت تستطيع الضر لأضرت بالمسلمين لأنهم خلعوا عبادتها وسفهوا أتباعها وأعلنوا حقارتها ، فلما جعلوا عدم النفع ولا الضر علة لنفي عبادة الأصنام فقد كنوا بذلك عن عبادتهم النافع الضار وهو الله سبحانه .

وقوله ونرد على أعقابنا عطف على ندعو فهو داخل في حيز الإنكار . والرد : الإرجاع إلى المكان الذي يؤتى منه ، كقوله تعالى ردوها علي .

والأعقاب جمع عقب وهي مؤخر القدم . وعقب كل شيء طرفه وآخره ويقال : رجع على عقبه وعلى عقبيه ونكص على عقبيه بمعنى رجع إلى المكان الذي جاء منه لأنه كان جاعلا إياه وراءه فرجع .

وحرف على فيه للاستعلاء ، أي رجع على طريق جهة عقبه ، كما يقال : رجع وراءه ، ثم استعمل تمثيلا شائعا في التلبس بحالة ذميمة كان فارقها صاحبها ثم عاد إليها وتلبس بها ، وذلك أن الخارج إلى سفر أو حاجة فإنما يمشي إلى غرض يريده فهو يمشي القدمية فإذا رجع قبل الوصول إلى غرضه فقد أضاع مشيه ، فيمثل حاله بحال من رجع على عقبيه . وفي الحديث اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم . فكذلك في الآية هو تمثيل لحال المرتد إلى الشرك بعد أن أسلم بحال من خرج في مهم فرجع على عقبيه ولم يقض ما خرج له . وهذا أبلغ في تمثيل سوء الحالة من أن يقال : ونرجع إلى الكفر بعد الإيمان .

وقد أضيف " بعد " إلى " إذ هدانا " وكلاهما اسم زمان ، فإن بعد يدل على [ ص: 301 ] الزمان المتأخر عن شيء كقوله ومن بعد صلاة العشاء وإذا يدل على زمان معرف بشيء ، فـ إذا اسم زمن متصرف مراد به الزمان وليس مفعولا فيه . والمعنى بعد الزمن الذي هدانا الله فيه ، ونظيره ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا في سورة آل عمران .

التالي السابق


الخدمات العلمية