صفحة جزء
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا

[ ص: 148 ] القول في نادى وفي أن التفسيرية كالقول في : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا الآية . وأصحاب النار مراد بهم من كان من مشركي أمة الدعوة لأنهم المقصود كما تقدم ، وليوافق قوله بعد ولقد جئناهم بكتاب فصلناه .

فعل الفيض حقيقته سيلان الماء وانصبابه بقوة ويستعمل مجازا في الكثرة ، ومنه ما في الحديث : ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ويجيء منه مجاز في السخاء ووفرة العطاء ، ومنه ما في الحديث أنه قال لطلحة : أنت الفياض فالفيض في الآية إذا حمل على حقيقته كان أصحاب النار طالبين من أصحاب الجنة أن يصبوا عليهم ماء ليشربوا منه ، وعلى هذا المعنى حمله المفسرون ، ولأجل ذلك جعل الزمخشري عطف مما رزقكم الله عطفا على الجملة لا على المفرد ، فيقدر عامل بعد حرف العطف يناسب ما عدا الماء تقديره : أو أعطونا ، ونظره بقول الشاعر أنشده الفراء :

علفتها تبنا وماء بـاردا حتى شبت همالة عيناها

تقديره : علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ، وعلى هذا الوجه تكون من بمعنى بعض ، أو صفة لموصوف محذوف تقديره : شيئا من الماء ، لأن : أفيضوا يتعدى بنفسه .

ويجوز عندي أن يحمل الفيض على المعنى المجازي ، وهو سعة العطاء والسخاء ، من الماء والرزق ، إذ ليس معنى الصب بمناسب بل المقصود الإرسال والتفضل ، ويكون العطف عطف مفرد على مفرد وهو أصل العطف ، ويكون سؤلهم من الطعام مماثلا لسؤلهم من الماء في الكثرة ، فيكون في هذا الحمل [ ص: 149 ] تعريض بأن أصحاب الجنة أهل سخاء ، وتكون من على هذا الوجه بيانية لمعنى الإفاضة ، ويكون فعل ( أفيضوا ) منزلا منزلة اللازم ، فتتعلق من بفعل أفيضوا .

والرزق مراد به الطعام كما في قوله تعالى كلما رزقوا منها من ثمرة الآية .

وضمير قالوا لأصحاب الجنة ، وهو جوابهم عن سؤال أصحاب النار ، ولذلك فصل على طريقة المحاورة .

والتحريم في قوله حرمهما على الكافرين مستعمل في معناه اللغوي وهو المنع كقول عنترة : حرمت علي وليتها لم تحرم وقوله وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون .

والمراد بالكافرين المشركون ، لأنهم قد عرفوا في القرآن بأنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، وعرفوا بإنكار لقاء يوم الحشر .

وقد تقدم القول في معنى اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا عند قوله تعالى وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا في سورة الأنعام .

وظاهر النظم أن قوله الذين اتخذوا دينهم إلى قوله الحياة الدنيا هو من حكاية كلام أهل الجنة ، فيكون اتخذوا دينهم لهوا إلخ صفة للكافرين .

وجوز أن يكون : الذين اتخذوا دينهم لهوا مبتدأ على أنه من كلام الله تعالى ، وهو يفضي إلى جعل الفاء في قوله فاليوم ننساهم داخلة على خبر المبتدإ لتشبيه اسم الموصول بأسماء الشرط ، كقوله تعالى [ ص: 150 ] واللذان يأتيانها منكم فآذوهما وقد جعل قوله الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا إلى قوله وما كانوا بآياتنا يجحدون آية واحدة في ترقيم أعداد آي المصاحف وليس بمتعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية