ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون الواو في 
ولقد جئناهم عاطفة هذه الجملة على جملة 
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ، عطف القصة على القصة ، والغرض على الغرض ، فهو كلام أنف انتقل به من غرض الخبر عن حال المشركين في الآخرة إلى غرض وصف أحوالهم في الدنيا ، المستوجبين بها لما سيلاقونه في الآخرة ، وليس هو من الكلام الذي عقب الله به كلام أصحاب الجنة في قوله 
فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا لأن قوله هنا 
هل ينظرون إلا تأويله إلخ ، يقتضي أنه حديث عن إعراضهم عن القرآن في الدنيا ، فضمير الغائبين في قوله : جئناهم عائد إلى 
الذين كذبوا في قوله 
إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء الآية . 
والمراد بالكتاب القرآن .  
[ ص: 152 ] والباء في قوله بكتاب لتعدية فعل جئناهم ، مثل الباء في قوله 
ذهب الله بنورهم فمعناه : أجأناهم كتابا ، أي جعلناه جاءيا إياهم ، فيئول إلى معنى أبلغناهم إياه وأرسلناه إليهم . 
وتأكيد هذا الفعل بلام القسم وقد إما باعتبار صفة كتاب ، وهي جملة 
فصلناه على علم هدى ورحمة فيكون التأكيد جاريا على مقتضى الظاهر ، لأن المشركين ينكرون أن يكون القرآن موصوفا بتلك الأوصاف ، وإما تأكيد لفعل جئناهم بكتاب ، وهو بلوغ الكتاب إليهم فيكون التأكيد خارجا على خلاف مقتضى الظاهر ، بتنزيل المبلغ إليهم منزلة من ينكر بلوغ الكتاب إليهم ، لأنهم في إعراضهم عن النظر والتدبر في شأنه بمنزلة من لم يبلغه الكتاب ، وقد يناسب هذا الاعتبار ظاهر قوله بعد : 
يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق   . 
وتنكير كتاب ، وهو معروف ، قصد به تعظيم الكتاب ، أو قصد به النوعية ، أي ما هو إلا كتاب كالكتب التي أنزلت من قبل ، كما تقدم في قوله تعالى 
كتاب أنزل إليك في طالع هذه السورة . 
و فصلناه أي بيناه أي بينا ما فيه ، والتفصيل تقدم عند قوله تعالى : 
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين في سورة الأنعام . 
و 
على علم ظرف مستقر في موضع الحال من فاعل فصلناه ، أي حال كوننا على علم ، وعلى للاستعلاء المجازي ، تدل على التمكن من مجرورها ، كما في قوله : 
أولئك على هدى من ربهم وقوله 
قل إني على بينة من ربي في سورة الأنعام . ومعنى هذا التمكن أن علم الله تعالى ذاتي لا يعزب عنه شيء من المعلومات . 
وتنكير علم للتعظيم ، أي عالمين أعظم العلم ، والعظمة هنا راجعة إلى كمال الجنس في حقيقته ، وأعظم العلم هو العلم الذي لا يحتمل الخطأ   
[ ص: 153 ] ولا الخفاء أي عالمين علما ذاتيا لا يتخلف عنا ولا يختلف في ذاته ، أي لا يحتمل الخطأ ولا التردد . 
وهدى ورحمة حال من كتاب ، أو من ضميره في قوله : فصلناه . ووصف الكتاب بالمصدرين 
هدى ورحمة إشارة إلى قوة هديه الناس وجلب الرحمة لهم . 
وجملة 
هدى ورحمة لقوم يؤمنون إشارة إلى أن المؤمنين هم الذين توصلوا للاهتداء به والرحمة ، وأن من لم يؤمنوا قد حرموا الاهتداء والرحمة ، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة 
هدى للمتقين   .