وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون عطفت جملة : وما كان جواب قومه على جملة : قال لقومه . والتقدير : وإذ ما كان جواب قومه إلا أن قالوا إلخ ، والمعنى : أنهم أفحموا عن ترويج شنعتهم والمجادلة في شأنها ، وابتدروا بالتآمر على إخراج 
لوط    - عليه السلام - وأهله من القرية ، لأن 
لوطا    - عليه السلام - كان غريبا بينهم وقد أرادوا الاستراحة من إنكاره عليهم ، شأن من يشعرون بفساد حالهم ، الممنوعين بشهواتهم عن الإقلاع عن سيئاتهم ، المصممين على مداومة ذنوبهم ، فإن صدورهم تضيق عن تحمل الموعظة ، وأسماعهم تصم لقبولها ، ولم يزل من شأن المنغمسين في الهوى تجهم حلول من لا يشاركهم بينهم .  
[ ص: 235 ] والجواب : الكلام الذي يقابل به كلام آخر : تقريرا ، أو ردا ، أو جزاء . 
وانتصب قوله ( جواب ) على أنه خبر ( كان ) مقدم على اسمها الواقع بعد أداة الاستثناء المفرغ ، وهذا هو الاستعمال الفصيح في مثل هذا التركيب ، إذا كان أحد معمولي كان مصدرا منسبكا من أن والفعل كما تقدم في سورة آل عمران وسورة الأنعام ، ولذلك أجمعت القراءات المشهورة على نصب المعمول الأول . 
والضمير المنصوب في قوله : أخرجوهم عائد على محذوف علم من السياق ، وهم 
لوط    - عليه السلام - وأهله : وهم زوجه وابنتاه . 
وجملة 
  : إنهم أناس يتطهرون علة للأمر بالإخراج ، وذلك شأن إن إذا جاءت في مقام لا شك فيه ولا إنكار ، بل كانت لمجرد الاهتمام فإنها تفيد مفاد فاء التفريع وتدل على الربط والتعليل . 
والتطهر تكلف الطهارة . وحقيقتها النظافة ، وتطلق الطهارة - مجازا - على تزكية النفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا ، وتلك صفة كمال ، لكن القوم لما تمردوا على الفسوق كانوا يعدون الكمال منافرا لطباعهم ، فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال ، ويذمون ما لهم من الكمالات فيسمونها ثقلا ، ولذا وصفوا تنزه 
لوط    - عليه السلام - وآله تطهرا ، بصيغة التكلف والتصنع ، ويجوز أن يكون حكاية لما في كلامهم من التهكم 
بلوط    - عليه السلام - وآله ، وهذا من قلب الحقائق لأجل مشايعة العوائد الذميمة ، وأهل المجون والانخلاع ، يسمون المتعفف عن سيرتهم بالتائب أو نحو ذلك ، فقولهم ( 
إنهم أناس يتطهرون   ) قصدوا به ذمهم . 
وهم قد علموا هذا التطهر من خلق 
لوط    - عليه السلام - وأهله لأنهم عاشروهم ، ورأوا سيرتهم ، ولذلك جيء بالخبر جملة فعلية مضارعية لدلالتها على أن التطهر متكرر منهم ، ومتجدد ، وذلك أدعى لمنافرتهم طباعهم   
[ ص: 236 ] والغضب عليهم وتجهم إنكار 
لوط    - عليه السلام - عليهم .