1. الرئيسية
  2. التحرير والتنوير
  3. سورة الأعراف
  4. قوله تعالى ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين
صفحة جزء
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين كان مقتضى الظاهر في ترتيب حكاية الحوادث أن يتأخر قوله ولما سقط في أيديهم الآية ، عن قومه ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا لأنهم ما سقط في أيديهم إلا بعد أن رجع موسى ورأوا فرط غضبه وسمعوا توبيخه أخاه وإياهم ، وإنما خولف مقتضى الترتيب تعجيلا بذكر ما كان لاتخاذهم العجل من عاقبة الندامة ، وتبيين الضلالة موعظة للسامعين لكيلا يعجلوا في التحول عن سنتهم ، حتى يتبينوا عواقب ما هم متحولون إليه .

و سقط في أيديهم مبني للمجهول ، كلمة أجراها القرآن مجرى المثل إذ أنظمت على إيجاز بديع وكناية واستعارة ، فإن اليد تستعار للقوة والنصرة إذ بها [ ص: 112 ] يضرب بالسيف والرمح ، ولذلك حين يدعون على أنفسهم بالسوء يقولون " شلت من يدي الأنامل " ، وهي آلة القدرة قال - تعالى - ذا الأيد ، ويقال : ما لي بذلك يد ، أو ما لي بذلك يدان أي لا أستطيعه ، والمرء إذا حصل له شلل في عضد ولم يستطع تحريكه يحسن أن يقال سقط في يده ساقط ، أي نزل به نازل .

ولما كان ذكر فاعل السقوط المجهول لا يزيد على كونه مشتقا من فعله ، ساغ أن يبنى فعله للمجهول فمعنى " سقط في يده " سقط في يده ساقط فأبطل حركة يده ، إذ المقصود أن حركة يده تعطلت بسبب غير معلوم إلا بأنه شيء دخل في يده فصيرها عاجزة عن العمل وذلك كناية عن كونه قد فاجأه ما أوجب حيرته في أمره كما يقال فت في ساعده .

وقد استعمل في الآية في معنى الندم وتبين الخطأ لهم فهو تمثيل لحالهم بحال من سقط في يده حين العمل . فالمعنى أنهم تبين لهم خطؤهم وسوء معاملتهم ربهم ونبيهم . فالندامة هي معنى التركيب كله ، وأما الكناية فهي في بعض أجزاء المركب وهو سقط في اليد . قال ابن عطية وحدثت عن أبي مروان بن سراج أنه كان يقول : قول العرب سقط في يده مما أعياني معناه . وقال الزجاج هو نظم لم يسمع قبل القرآن ولم تعرفه العرب .

قلت : وهو القول الفصل فإني لم أره في شيء من كلامهم قبل القرآن فقول ابن سراج : قول العرب سقط في يده ، لعله يريد العرب الذين بعد القرآن .

والمعنى لما رجع موسى إليهم وهددهم وأحرق العجل كما ذكر في سورة طه . وأوجز هنا إذ من المعلوم أنهم ما سقط في أيديهم ورأوا أنهم ضلوا بعد تصميمهم وتصلبهم في عبادة العجل وقولهم لن نبرح عليه عاكفين ، إلا بسبب حادث حدث ينكشف لهم بسببه ضلالهم فطي ذلك من قبيل الإيجاز ليبنى عليه أن ضلالهم لم يلبث أن انكشف لهم ، ولذلك قرن بهذا حكاية اتخاذهم العجل للمبادرة ببيان انكشاف [ ص: 113 ] ضلالهم تنهية لقصة ضلالهم وكأنه قيل فسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ثم قيل ولما سقط أيديهم قالوا .

وقولهم لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين توبة وإنابة ، وقد علموا أنهم أخطئوا خطيئة عظيمة ولذلك أكدوا التعليق الشرطي بالقسم الذي وطأته اللام . وقدموا الرحمة على المغفرة لأنها سببها .

ومجيء خبر كان مقترنا بحرف ( من ) التبعيضية لأن ذلك أقوى في إثبات الخسارة من لنكونن خاسرين كما تقدم في قوله - تعالى - قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين وقرأه الجمهور يرحمنا ربنا ويغفر بياء الغيبة في أول الفعلين وبرفع ( ربنا ) وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتاء الخطاب في أول الفعلين ونصب ( ربنا ) على النداء ، أي قالوا ذلك كله لأنهم دعوا ربهم وتداولوا ذلك بينهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية