صفحة جزء
( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ) : قال مجاهد : نزلت في دعاء الرجل على نفسه وماله أو ولده ونحو هذا . فأخبر تعالى لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله منهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر ، تقديرها : فلا يفعل ذلك ، ولكن نذر الذين لا يرجون فاقتضب القول ، ووصل إلى هذا المعنى بقوله : ( فنذر الذين لا يرجون ) ، فتأمل هذا التقدير تجده صحيحا ، قاله ابن عطية . وقيل : نزلت في قولهم : ( ائتنا بما تعدنا ) ، وما جرى مجراه . وقال الزمخشري : والمراد أهل مكة . وقولهم : ( فأمطر علينا حجارة ) يعني : ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير لأميتوا وأهلكوا . قال : فإن قلت : كيف اتصل به ( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) ، وما معناه ؟ قلت : قوله : ( ولو يعجل الله ) متضمن معنى نفي التعجيل ; كأنه قال : ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم في طغيانهم ، أو فنمهلهم ، ونقيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم . ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر عجب الناس من إيحاء الله إلى رجل منهم ، وكان فيما أوحي إليه الإنذار والتبشير ، وكانوا يستهزئون بذلك ولا يعتقدون حلول ما أنذروه بهم فقالوا : ( فأمطر علينا حجارة ) ، وقال إخبارا عنهم : ( ويستعجلونك بالعذاب ) وقالوا : ( فأتنا بما تعدنا ) ثم استطرد من ذلك إلى وحدانيته تعالى ، وذكر إيجاده العالم ، ثم إلى تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر ، وذكر منازل الفريقين ثم رجع إلى أن ذلك المنذر به الذي طلبوا وقوعه عجلا لو وقع لهلكوا ، فلم يكن في إهلاكهم رجاء إيمان بعضهم ، وإخراج مؤمن من صلبهم بل اقتضت حكمته أن لا يعجل لهم ما طلبوه ، لما ترتب على ذلك . وانتصب ( استعجالهم ) على أنه مصدر مشبه به . فقال الزمخشري : أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع استعجاله لهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم . وقال الحوفي وابن عطية : التقدير مثل استعجالهم ، وكذا قدره أبو البقاء . ومدلول عجل غير مدلول استعجل ، لأن عجل يدل على الوقوع ، واستعجل يدل على [ ص: 129 ] طلب التعجيل ، وذاك واقع من الله ، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، فشبه التعجيل بالاستعجال ؛ لأن طلبهم للخير ، ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء . والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر ، تقديره : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ؛ لأنهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم ، كما كانوا يستعجلون بالخير . وقرأ ابن عامر : ( لقضى ) مبنيا للفاعل ( أجلهم ) بالنصب ، والأعمش : ( لقضينا ) ، وباقي السبعة مبنيا للمفعول ، و ( أجلهم ) بالرفع . وقضى أكمل ، والفاء في ( فنذر ) جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف ، تقديره : فنحن نذر ، قاله الحوفي . وقال أبو البقاء : ( فنذر ) معطوف على فعل محذوف ، تقديره : ولكن نمهلهم فنذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية