صفحة جزء
( اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى قال فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) الوني : الفتور ، يقال : وني يني وهو فعل لازم ، وإذا عدي فبعن وبفي ، وزعم بعض البغداديين أنه يأتي فعلا ناقصا من أخوات ما زال وبمعناها ، واختاره ابن مالك وأنشد :


لا الخب شيمة الحب ما دام فلا تحسبنه ذا ارعواء



وقالوا : امرأة أنآة ، أي : فاترة عن النهوض ، أبدلوا من واوها همزة على غير قياس . قال الشاعر :

[ ص: 244 ]

فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر



شت الأمر شتا وشتاتا تفرق ، وأمر شت متفرق ، وشتى فعلى من الشت وألفه للتأنيث جمع شتيت كمريض ومرضى ، ومعناه متفرقة ، وشتان اسم فاعل ، سحت لغة الحجاز ، وأسحت لغة نجد وتميم ، وأصله استقصاء الحلق للشعر . وقال الفرزدق وهو تميمي :


وعض زمان يابن مروان لم يك     من المال إلا مسحت أو مجلف



ثم استعمل في الإهلاك والإذهاب . الخيبة : عدم الظفر بالمطلوب . الصف : موضع المجمع قاله أبو عبيدة ، وسمي المصلى الصف وعن بعض العرب الفصحاء ما استطعت أن آتي الصف ، أي : المصلى ، وقد يكون مصدرا ، ويقال جاءوا صفا ، أي : مصطفين . التخييل : إبداء أمر لا حقيقة له ، ومنه الخيال وهو الطيف الطارق في النوم . قال الشاعر :


ألا يا لقومي للخيال المشوق     وللدار تنأى بالحبيب ونلتقي



( اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) .

[ ص: 245 ] أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون فلما دعا ربه وطلب منه أشياء كان فيها أن يشرك أخاه هارون فذكر الله أنه آتاه سؤله وكان منه إشراك أخيه ، فأمره هنا وأخاه بالذهاب و ( أخوك ) معطوف على الضمير المستكن في ( اذهب أنت وأخوك ) في سورة المائدة ، وقول بعض النحاة ، أن ( وربك ) مرفوع على إضمار فعل ، أي : وليذهب ربك وذلك البحث جار هنا . وروي أن الله أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى . وقيل : سمع بمقدمه . وقيل : ألهم ذلك وظاهر ( بآياتي ) الجمع . فقيل : هي العصا ، واليد ، وعقدة لسانه . وقيل : اليد ، والعصا . وقد يطلق الجمع على المثنى وهما اللتان تقدم ذكرهما ؛ ولذلك لما قال : ( فأت بآية ) ، ألقى العصا ونزع اليد ، وقال : فذانك برهانان . وقيل العصا مشتملة على آيات انقلابها حيوانا ، ثم في أول الأمر كانت صغيرة ثم عظمت حتى صارت ثعبانا ، ثم إدخال موسى يده في فمها فلا تضره . وقيل : ما أعطي من معجزة ووحي .

( ولا تنيا ) ، أي : لا تضعفا ولا تقصرا . وقيل : تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما ، ويجوز أن يراد بالذكر تبليغ الرسالة فإن الذكر يقع على سائر العبادات ، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها ، فكان جديرا أن يطلق عليه اسم الذكر . وقرأ ابن وثاب : ولا تنيا بكسر التاء إتباعا لحركة النون . وفي مصحف عبد الله ولا تهنا ، أي : ولا تلنا من قولهم هين لين ، ولما حذف من يذهب إليه في الأمر قبله ، نص عليه في هذا الأمر الثاني . فقيل : ( اذهبا إلى فرعون ) ، أي : بالرسالة وأبعد من ذهب إلى أنهما أمرا بالذهاب أولا إلى الناس وثانيا إلى فرعون ، فكرر الأمر بالذهاب لاختلاف المتعلق ، ونبه على سبب الذهاب إليه بالرسالة من عنده بقوله ( إنه طغى ) ، أي : تجاوز الحد في الفساد ودعواه الربوبية والإلهية من دون الله . والقول اللين هو مثل ما في النازعات ( هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ) وهذا من لطيف الكلام إذ أبرز ذلك في صورة الاستفهام والمشورة والعرض لما فيه من الفوز العظيم ، وقيل : عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته . وقيل : لا تجبهاه بما يكره وألطفا له في القول لما له من حق تربية موسى . وقيل : كنياه وهو ذو الكنى الأربع أبو مرة ، وأبو مصعب ، وأبو الوليد ، وأبو العباس . وقيل : القول اللين : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولينها خفتها على اللسان . وقال الحسن : هو قولهما إن لك ربا وإن لك معادا وإن بين يديك جنة ونارا فآمن بالله يدخلك الجنة ويقك عذاب النار . وقيل : أمرهما تعالى أن يقدما المواعيد على الوعيد ، كما قال الشاعر :


أقدم بالوعد قبل الوعيد     لينهى القبائل جهالها



وقيل : حين عرض عليه موسى وهارون - عليهما السلام - ما عرضا ، شاور آسية فقالت : ما ينبغي لأحد أن يرد هذا ، فشاور هامان وكان لا يبت أمرا دون رأيه ، فقال له : كنت أعتقد أنك ذو عقل ! تكون مالكا فتصير مملوكا وربا فتصير مربوبا ! فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى ، والترجي بالنسبة لهما إذ هو مستحيل وقوعه من الله تعالى ، أي : اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه ، وفائدة إرسالهما مع علمه تعالى أنه لا يؤمن إقامة الحجة عليه ، وإزالة [ ص: 246 ] المعذرة كما قال تعالى : ( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ) الآية .

وقيل : القول اللين ما حكاه الله هنا وهو ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ) إلى قوله ( والسلام على من اتبع الهدى ) وقال أبو معاذ : ( قولا لينا ) وقال الفراء لعل هنا بمعنى كي ، أي : كي يتذكر أو يخشى ، كما تقول : اعمل لعلك تأخذ أجرك ، أي : كي تأخذ أجرك . وقيل : لعل هنا استفهام ، أي : هل يتذكر أو يخشى ؟ ، والصحيح أنها على بابها من الترجي وذلك بالنسبة إلى البشر ، وفي قوله : ( لعله يتذكر أو يخشى ) دلالة على أنه لم يكن شاكا في الله . وقيل : ( يتذكر ) حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر ساجدا لله راغبا أن لا يخجله ، ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فرجا أن يتذكر حلم الله وكرمه وأن يحذر من عذاب الله . وقال الزمخشري : أي : ( يتذكر ) ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق ( أو يخشى ) أن يكون الأمر كما يصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة .

فرط سبق وتقدم ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط تسبق الخيل . انتهى . وقال الشاعر :


واستعجلونا وكانوا من صحابتنا     كما تقدم فارط الوراد



وفي الحديث : " أنا فرطكم على الحوض " . ، أي : متقدمكم وسابقكم ، والمعنى إننا نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها . وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في روايته ( أن يفرط ) مبنيا للمفعول ، أي : يسبق في العقوبة ويسرع بها ، ويجوز أن يكون من الإفراط ومجاوزة الحد في العقوبة ، خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعذاب من شيطان ، أو من جبروته واستكباره وادعائه الربوبية ، أو من حبه الرياسة ، أو من قومه القبط المتمردين الذين قال الله فيهم ( قال الملأ من قوم فرعون ) ( وقال الملأ من قومه ) .

وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن : ( يفرط ) بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية ( أو أن يطغى ) في التخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي تجرئة عليك وقسوة قلبه ، وفي المجيء به هكذا على سبيل الإطلاق والرمز باب من حسن الأدب والتجافي عن التفوه بالعظيمة .



والمعية هنا بالنصرة والعون أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما . وقال ابن عباس ( أسمع ) جوابه لكما ( وأرى ) ما يفعل بكما ، وهما كناية عن العلم ( فأتياه ) كرر الأمر بالإتيان ( فقولا إنا رسولا ربك ) وخاطباه بقولهما ( ربك ) تحقيرا له وإعلاما أنه مربوب مملوك إذ كان هو يدعي الربوبية . وأمرا بدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من ذل خدمة القبط ، وكانوا يعذبونهم بتكليف الأعمال الشاقة من الحفر والبناء ونقل الحجارة والسخرة في كل شيء مع قتل الولدان واستخدام النساء . وقد ذكر في غير هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان فجملة ما دعي إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية