صفحة جزء
( ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري قال ياابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي قال فما خطبك ياسامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ) .

[ ص: 272 ] أشفق هارون على نفسه وعليهم وبذل لهم النصيحة ، وبين أن ما ذهبوا إليه من أمر العجل إنما هو فتنة إذ كان مأمورا من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن أخيه موسى عليه السلام ( اخلفني في قومي ) الآية ولا يمكنه أن يخالف أمر الله وأمر أخيه . وروي أن الله أوحى إلى يوشع إني مهلك من قومك أربعين ألفا فقال : يا رب فما بال الأخيار ؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، والمضاف إليه المقطوع عنه من قبل قدره الزمخشري من قبل أن يقول لهم السامري ما قال ، كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة افتتنوا به واستحسنوه قبل أن ينطق السامري بادر هارون عليه السلام بقوله ( إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن ) .

وقال ابن عطية : أخبر عز وجل أن هارون قد كان قال لهم في أول حال العجل إنما هي فتنة وبلاء وتمويه من السامري ، وإنما ربكم الرحمن الذي له القدرة والعلم والخلق والاختراع ( فاتبعوني ) إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه ( وأطيعوا أمري ) فيما ذكرته لكم . انتهى . والضمير في ( به ) عائد على العجل ، زجرهم أولا هارون عن الباطل وإزالة الشبهة بقوله ( إنما فتنتم ) ثم نبههم على معرفة ربهم وذكر وصف الرحمة تنبيها على أنهم متى تابوا قبلهم وتذكيرا لتخليصهم منفرعون زمان لم يوجد العجل ، ثم أمرهم باتباعه تنبيها على أنه نبي يجب أن يتبع ويطاع أمره .

وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية وأن ربكم بفتح الهمزة والجمهور بكسرها ، والمصدر المنسبك منها في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره والأمر ( وإن ربكم الرحمن ) فهو من عطف جملة على جملة ، وقدره أبو حاتم ولأن ربكم الرحمن . وقرأت فرقة أنما وأن ربكم بفتح الهمزتين وتخريج هذه القراءة على لغة سليم حيث يفتحون أن بعد القول مطلقا .

ولما وعظهم هارون ونبههم على ما فيه رشدهم اتبعوا سبيل الغي و ( قالوا لن نبرح ) على عبادته مقيمين ملازمين له ، وغيوا ذلك برجوع موسى وفي قولهم ذلك دليل على عدم رجوعهم إلى الاستدلال وأخذ بتقليدهم السامري ودلالة على أن ( لن ) لا تقتضي التأييد خلافا للزمخشري إذ لو كان من موضوعها التأبيد لما جازت التغيية بحتى لأن التغيية لا تكون إلا حيث يكون الشيء محتملا فيزيل ذلك الاحتمال بالتغيية .

التالي السابق


الخدمات العلمية