( 
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا   ) : ذكروا أن العامل في إذ محذوف ، ورب : منادى مضاف إلى الياء ، وحذف منه حرف النداء ، والمضاف إلى الياء فيه لغات ، أحسنها : أن تحذف منه ياء الإضافة ، ويدل عليها بالكسرة ، فيجتزأ بها لأن النداء موضع تخفيف . ألا ترى إلى جواز الترخيم فيه ؟ وتلك اللغات مذكورة في النحو ، وسيأتي   
[ ص: 383 ] منها في القرآن شيء ، ونتكلم عليه في مكانه - إن شاء الله تعالى - . وناداه بلفظ الرب مضافا إليه ، لما في ذلك من تلطف السؤال والنداء بالوصف الدال على قبول السائل وإجابة ضراعته . واجعل هنا بمعنى : صير ، وصورته أمر ، وهو طلب ورغبة . وهذا إشارة إلى الوادي الذي دعا لأهله حين أسكنهم فيه ، وهو قوله : ( 
بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم   ) ، أو إلى المكان الذي صار بلدا ، ولذلك نكره فقال : ( 
بلدا آمنا   ) . وحين صار بلدا قال : ( 
رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني   ) ، وقال : ( 
لا أقسم بهذا البلد   ) ، هذا إن كان الدعاء مرتين في وقتين . وقيل : الآيتان سواء ، فتحتمل آية التنكير أن يكون قبلها معرفة محذوفة ، أي اجعل هذا البلد بلدا آمنا ، ويكون " بلدا " النكرة توطئة لما يجيء بعده ، كما تقول : كان هذا اليوم يوما حارا ، فتكون الإشارة إليه في الآيتين بعد كونه بلدا . ويحتمل وجها آخر وهو : أنه لا يكون محذوفا ولا يكون إذ ذاك " بلدا " بل دعى له بذلك ، وتكون المعرفة الذي جاء في قوله : ( 
هذا البلد   ) ، باعتبار ما يئول إليه سماه بلدا . ووصف بلد بآمن ، إما على معنى النسب ، أي ذا أمن ، كقولهم : ( 
عيشة راضية   ) ، أي ذات رضا ، أو على الاتساع لما كان يقع فيه الأمن جعله آمنا كقولهم : نهارك صائم وليلك قائم . وهل الدعاء بأن يجعله آمنا من الجبابرة والمسلطين ، أو من أن يعود حرمه حلالا ، أو من أن يخلو من أهله ، أو آمنا من القتل ، أو من الخسف والقذف ، أو من القحط والجدب ، أو من دخول 
الدجال  ، أو من 
أصحاب الفيل  ؟ أقوال . ومن فسر آمنا بكونه آمنا من الجبابرة ، فالواقع يرده ، إذ قد دخل فيه الجبابرة وقتلوا ، 
كعمرو بن لحي الجرهمي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14078والحجاج بن يوسف  ، 
والقرامطة  ، وغيرهم . وكذلك من قال آمنا من القحط والجدب ، فهي أكثر بلاد الله قحطا وجدبا . وقال 
القفال    : معناه مأمونا فيه ، وكانوا قبل أن تغزوهم العرب في غاية الأمن ، حتى أن أحدهم إذا وجد بمفازة أو برية لا يتعرض إليه عندما يعلم أنه من سكان الحرم .