( 
وإذا خاطبهم الجاهلون   ) أي : مما لا يسوغ الخطاب به ( 
قالوا سلاما   ) أي : سلام توديع لا تحية كقول 
إبراهيم    - عليه السلام - لأبيه : ( 
سلام عليك   ) قاله 
الأصم    . وقال 
مجاهد    : قولا سديدا ، فهو منصوب بقالوا . وقيل : هو على إضمار فعل تقديره سلمنا : ( سلاما ) ، فهو جزء من متعلق الجملة المحكية . قال 
ابن عطية    : والذي أقوله إن ( قالوا ) هو العامل في ( سلاما ) ; لأن المعنى قالوا هذا اللفظ . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : تسلما منكم فأقيم السلام مقام التسليم . وقيل : قالوا سدادا من   
[ ص: 513 ] القول يسلمون فيه من الأذى والإثم ، والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الرغبة من قوله : 
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا 
انتهى . وقال 
الكلبي  وأبو العالية  نسختها آية القتال . وقال 
ابن عطية    : وهذه الآية كانت قبل آية السيف ، فنسخ منها ما يخص الكفرة وبقي حكمها في المسلمين إلى يوم القيامة ، وذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  في هذه الآية في كتابه وما تكلم على نسخ سواه . ورجح به أن المراد السلامة لا التسليم ; لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالسلام على الكفرة ، والآية مكية فنسختها آية السيف . وفي التاريخ ما معناه أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12367إبراهيم بن المهدي  كان منحرفا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  ، فرآه في النوم قد تقدمه إلى عبور قنطرة ، فقال له : إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك ، وكان حكى ذلك للمأمون ، قال : فما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه ، فقال له المأمون : فما أجابك به ؟ قال : كان يقول لي سلاما سلاما ، فنبهه المأمون على هذه الآية ، وقال : يا عم ، قد أجابك بأبلغ جواب . فخزي 
إبراهيم  واستحيا ، وكأن 
إبراهيم  لم يحفظ الآية أو ذهب عنه حالة الحكاية . 
والبيتوتة هو أن يدركك الليل نمت أو لم تنم ، وهو خلاف الظلول وبجيلة وأزد السراة يقولون : بيات ، وسائر العرب يقولون : يبيت ، ولما ذكر حالهم بالنهار بأنهم يتصرفون أحسن تصرف ذكر حالهم بالليل ، والظاهر أنه يعني إحياء الليل بالصلاة أو أكثره . وقيل : من قرأ شيئا من القرآن بالليل في صلاة فقد بات ساجدا وقائما . وقيل : هما الركعتان بعد المغرب ، والركعتان بعد العشاء . وقيل : من شفع وأوتر بعد أن صلى العشاء فقد دخل في هذه الآية . وفي هذه الآية حض على قيام الليل في الصلاة . وقدم السجود وإن كان متأخرا في الفعل ; لأجل الفواصل ولفضل السجود ، فإنها حالة أقرب ما يكون العبد فيها من الله . وقرأ وأبو البرهسم : ( سجودا ) ، على وزن قعودا . ومدحهم تعالى بدعائه أن يصرف عنهم عذاب جهنم ، وفيه تحقيق إيمانهم بالبعث والجزاء . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : ( غراما ) فظيعا وجيعا . وقال 
الخدري    : لازما ملحا دائما . قال 
الحسن    : كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي    : شديدا . وأنشدوا على أن ( غراما ) لازما قول الشاعر ، وهو 
بشر بن أبي خازم    : 
ويوم اليسار ويوم الجفار     كانا عذابا وكانا غراما 
وقال 
الأعشى    . 
إن يعاقب يكن غراما     وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي 
وصفهم بإحياء الليل ساجدين ، ثم عقبه بذكر دعائهم هذا ; إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون يبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم . و ( ساءت ) احتمل أن يكون بمعنى بئست . والمخصوص بالذم محذوف وفي ( ساءت ) ضمير مبهم ويتعين أن يكون ( 
مستقرا ومقاما   ) تمييزا . والتقدير ( 
ساءت مستقرا ومقاما   ) هي وهذا المخصوص بالذم هو رابط الجملة الواقعة خبرا لإن . ويجوز أن يكون ( 
ساءت   ) بمعنى أحزنت فيكون المفعول محذوفا ، أي : ساءتهم . والفاعل ضمير جهنم وجاز في ( 
مستقرا ومقاما   ) أن يكونا تمييزين ، وأن يكونا حالين قد عطف أحدهما على الآخر . والظاهر أن التعليلين غير مترادفين : ذكر أولا لزوم عذابها ، وثانيا مساءة مكانها ، وهما متغايران وإن كان يلزم من لزوم العذاب في مكان ذم ذلك المكان . وقيل : هما مترادفان ، والظاهر أنه من كلام الداعين وحكاية لقولهم . وقيل : هو من كلام الله ، ويظهر أن قوله : ( ومقاما ) معطوف على سبيل التوكيد ; لأن الاستقرار والإقامة كأنهما مترادفان . وقيل : المستقر للعصاة من أهل الإيمان فإنهم يستقرون فيها ولا يقيمون ، والإقامة للكفار . وقرأت فرقة : ( ومقاما ) ، بفتح الميم ، أي : مكان قيام ، والجمهور بالضم ، أي : مكان إقامة .