صفحة جزء
( وإذا النفوس زوجت ) أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر ، كقوله : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) قاله عمر وابن عباس ، أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن ، قاله مقاتل بن سليمان ، أو الأزواج الأجساد ، قاله عكرمة والضحاك والشعبي . وقرأ عاصم في رواية : زووجت على فوعلت ، والمفاعلة تكون بين اثنين ، والجمهور : بواو مشددة . وقال الزمخشري : وأد يئد ، مقلوب من آد يؤد إذا أثقل . قال الله تعالى : ( ولا يئوده حفظهما ) لأنه إثقال بالتراب . انتهى . ولا يدعى في وأد أنه مقلوب من آد ، لأن كلا منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول ، وليس فيه شيء من مسوغات ادعاء القلب . والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد له بالأصالة والآخر ليس كذلك ، أو كونه مجردا من حروف الزيادة والآخر فيه مزيدا وكونه أكثر تصرفا والآخر ليس كذلك ، أو أكثر استعمالا من الآخر ، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف . فالأول كيئس وأيس ، والثاني كطأمن واطمأن ، والثالث كشوايع وشواع ، والرابع كلعمري ورعملي .

وقرأ الجمهور : ( الموءودة ) بهمزة بين الواوين ، اسم مفعول . وقرأ البزي في رواية : المؤدة ، بهمزة مضمومة على الواو ، فاحتمل أن يكون الأصل الموءودة كقراءة الجمهور ، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة ، ثم الواو المنقول إليها الحركة ، واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد ، فالأصل مأوودة ، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيه المحذوف واو المد أو الواو التي هي عين ، نحو : مقوول ، حيث قالوا : مقول . وقرئ الموودة ، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة ، أعني التسهيل بالحذف ونقل حركتها إلى الواو . وقرأ الأعمش : المودة ، بسكون الواو على وزن الفعلة ، وكذا وقف لحمزة ابن مجاهد . ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك ، والرسم سنة متبعة . وقرأ الجمهور : ( سئلت ) مبنيا للمفعول ( بأي ذنب قتلت ) كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما ، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد ؛ لأن سؤالها يئول إلى سؤال الفاعلين . وجاء قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها ، ولو حكي ما خوطبت به حين سئلت لقيل : قتلت . وقرأ الحسن ، والأعرج : سئلت ، بكسر السين ، وذلك على لغة من قال : سال بغير همز . وقرأ أبو جعفر : بشد الياء ، لأن الموءودة اسم جنس ، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص . وقرأ ابن مسعود وعلي ، وابن عباس ، وجابر بن زيد ، وأبو الضحى ، و مجاهد : سألت مبنيا للفاعل ، ( قتلت ) بسكون اللام وضم التاء ، حكاية لكلامها حين سئلت . وعن أبي وابن مسعود أيضا والربيع بن خيثم ، وابن يعمر : سألت مبنيا للفاعل ( بأي ذنب قتلت ) : مبنيا للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخبارا عنهما ، ولو حكي كلامها لكان : قتلت بضم التاء .

وكان العرب إذا ولد لأحدهم بنت واستحياها ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى الإبل والغنم ، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها : طيبيها ولينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر حفرة أو بئرا في الصحراء ، فيذهب بها إليها ويقول لها انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي بالأرض . وقيل : كانت الحامل إذا قرب وضعها حفرت حفرة فتمخضت على رأسها ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت ابنا حبسته ، وقد افتخر الفرزدق ، وهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية ، بجده صعصعة ، إذ كان منع وأد البنات ، فقال :


ومنا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد ولم يوئد



التالي السابق


الخدمات العلمية