صفحة جزء
( إنه كان في أهله مسرورا ) أي فرحا بطرا مترفا لا يعرف الله ولا يفكر في عاقبته لقوله تعالى : ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) بخلاف المؤمن ، فإنه حزين مكتئب يتفكر في الآخرة ( إنه ظن أن لن يحور ) أي أن لن يرجع إلى الله ، وهذا تكذيب بالبعث ( بلى ) إيجاب بعد النفي ، أي بلى ليحورن ( إن ربه كان به بصيرا ) أي لا تخفى عليه أفعاله ، فلا بد من حوره ومجازاته .

( فلا أقسم بالشفق ) أقسم تعالى بمخلوقاته تشريفا لها وتعريضا للاعتبار بها ، والشفق تقدم شرحه . وقال أبو هريرة ، و عمر بن عبد العزيز ، وأبو حنيفة : هو البياض الذي يتلوه الحمرة . وروى أسد بن عمرو أن أبا حنيفة رجع عن قوله هذا إلى قول الجمهور . وقال مجاهد ، والضحاك ، وابن أبي نجيح : إن الشفق هنا كأنه لما عطف عليه الليل قال ذلك . قال ابن عطية : وهذا قول ضعيف . انتهى . وعن مجاهد : هو الشمس ، وعن عكرمة : ما بقي من النهار ( وما وسق ) ما ضم من الحيوان وغيره ، إذ جميع ذلك ينضم ويسكن في ظلمة الليل . وقال ابن عباس : ( وما وسق ) أي ما غطى عليه من الظلمة . وقال مجاهد : وما ضم من خير وشر . وقال ابن جبير : وما ساق وحمل . وقال ابن بحر : وما عمل فيه ، ومنه قول الشاعر :

فيوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق المتلبب

وقال ابن الفضل : لف كل أحد إلى الله ، أي سكن الخلق إليه ورجع كل إلى ما رآه لقوله : ( لتسكنوا فيه ) وقرأ عمر بن عبد الله ، وابن عباس ، ومجاهد ، والأسود ، وابن جبير ، ومسروق ، والشعبي ، وأبو العالية ، وابن وثاب ، وطلحة ، وعيسى والأخوان وابن كثير : بتاء الخطاب وفتح الباء ، فقيل : خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي حالا بعد حال من معالجة الكفار ، وقال ابن عباس : سماء بعد سماء في الإسراء ، وقيل : عدة بالنصر ، أي لتركبن أمر العرب قبيلا بعد قبيل وفتحا بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك ، وقال الزمخشري : وقرئ ( لتركبن ) على خطاب الإنسان في ( ياأيها الإنسان ) وقال ابن مسعود المعنى : لتركبن السماء في أهوال القيامة حالا بعد حال ، تكون كالمهل ، وكالدهان وتنفطر وتنشق ، فالتاء للتأنيث ، وهو إخبار عن السماء بما يحدث لها ، والضمير الفاعل عائد على السماء ، وقرأ عمر ، وابن عباس أيضا : بالياء من أسفل وفتح الباء على ذكر الغائب ، قال ابن عباس : يعني نبيكم ، صلى الله عليه وسلم ، وقيل : الضمير الغائب يعود على القمر ؛ لأنه يتغير أحوالا من إسرار واستهلال وإبدار ، وقال الزمخشري : ليركبن الإنسان ، وقرأ عمر ، وابن عباس أيضا وأبو جعفر ، والحسن ، وابن جبير ، و قتادة ، والأعمش وباقي السبعة : بتاء الخطاب وضم الباء ، أي لتركبن أيها الإنسان ، وقال الزمخشري : ولتركبن بالضم على خطاب الجنس ، لأن النداء للجنس ، فالمعنى : لتركبن الشدائد : الموت والبعث والحساب حالا بعد حال ، أو يكون الأحوال من النطفة إلى الهرم ، كما تقول : طبقة بعد طبقة ، قال نحوه عكرمة ، وقيل : عن تجيء بمعنى بعد ، وقيل : المعنى لتركبن هذه الأحوال أمة بعد أمة ، ومنه قول العباس بن عبد المطلب في رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :

[ ص: 448 ]

وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق     تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق



وقال مكحول وأبو عبيدة : المعنى لتركبن سنن من قبلكم ، وقال ابن زيد : المعنى لتركبن الآخرة بعد الأولى ، وقرأ عمر أيضا : ليركبن بياء الغيبة وضم الباء ، قيل : أراد به الكفار لا بيان توبيخهم بعده ، أي يركبون حالا بعد أخرى من المذلة والهوان في الدنيا والآخرة ، وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس : ( لتركبن ) بكسر التاء ، وهي لغة تميم ، قيل : والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقرئ بالتاء وكسر الباء على خطاب النفس ، وطبق الشيء مطابقة لأن كل حال مطابقة للأخرى في الشدة ، ويجوز أن تكون اسم جنس واحدة طبقة ، وهي المرتبة من قولهم : هم على طبقات ، و ( عن طبق ) في موضع الصفة لقوله : ( طبقا ) أو في موضع الحال من الضمير في ( لتركبن ) .

وعن مكحول ، كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه ( فما لهم لا يؤمنون ) : تعجب من انتفاء إيمانهم وقد وضحت الدلائل . ( لا يسجدون ) لا يتواضعون ويخضعون ، قاله قتادة ، وقال عكرمة : لا يباشرون بجباههم المصلى ، وقال محمد بن كعب : لا يصلون ، وقرأ الجمهور : ( يكذبون ) مشددا ، والضحاك وابن أبي عبلة : مخففا وبفتح الياء . ( بما يوعون ) بما يجمعون من الكفر والتكذيب ، كأنهم يجعلونه في أوعية ، وعيت العلم وأوعيت المتاع ، قال نحوه ابن زيد ، وقال ابن عباس : بما تضمرون من عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنين ، وقال مجاهد : بما يكتمون من أفعالهم ، وقرأ أبو رجاء : بما يعون ، من وعى يعي . ( إلا الذين آمنوا ) أي سبق لهم في علمه أنهم يؤمنون . ( غير ممنون ) غير مقطوع ، وقال ابن عباس : ( ممنون ) معدد عليهم ، محسوب منغص بالمن ، وتقدم الكلام على ذلك في فصلت ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية