صفحة جزء
( والأقربين ) جمع الأقرب ، وظاهره أنه أفعل تفضيل ، فكل من كان أقرب إلى الميت دخل [ ص: 21 ] في هذا اللفظ ، وأقرب ما إليه الوالدان ، فصار ذلك تعميما بعد تخصيص ، فكأنهما ذكرا مرتين : توكيدا وتخصيصا على اتصال الخير إليهما ، هذا مدلول ظاهر هذا اللفظ ، وعند المفسرين : الأقربون الأولاد ، أو من عدا الأولاد ، أو جميع القرابات ، أو من لا يرث من الأقارب . أقوال .

( بالمعروف ) أي : لا يوصي بأزيد من الثلث ، ولا للغني دون الفقير ، وقال ابن مسعود : الأخل فالأخل ، أي : الأحوج فالأحوج ، وقيل : الذي لا حيف فيه ، وقيل : كان هذا موكولا إلى اجتهاد الموصي ، ثم بين ذلك وقدر بالثلث والثلث كثير " . وقيل : بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ، فإنهم كانوا قد يوصون بالمال كله ، وقيل : بالمعروف من ماله غير المجهول .

وهذه الأقوال ترجع إلى قدر ما يوصى به ، وإلى تمييز من يوصي له ، وقد لخص ذلك الزمخشري وفسره بالعدل ، وهو أن لا يوصي للغني ويدع الفقير ، ولا يتجاوز الثلث ، وتعلق " بالمعروف " بقوله : " الوصية " ، أو بمحذوف ، أي : كائنة بالمعروف ، فيكون بالمعروف حالا من الوصية .

( حقا على المتقين ) انتصب حقا على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة ، أي : حق ذلك حقا ، قاله ابن عطية ، والزمخشري . وهذا تأباه القواعد النحوية : لأن ظاهر قوله : ( على المتقين ) إذن يتعلق على بـ ( حقا ) ، أو يكون [ ص: 22 ] في موضع الصفة له ، وكلا التقديرين يخرجه عن التأكيد ، أما تعلقه به فلأن المصدر المؤكد لا يعمل ، إنما يعمل المصدر الذي ينحل بحرف مصدري والفعل ، أو المصدر الذي هو بدل من اللفظ بالفعل ، وذلك مطرد في الأمر والاستفهام ، على خلاف في هذا الأخير على ما تقرر في علم النحو ، وأما جعله صفة لـ ( حقا ) أي : حقا كائنا على المتقين ، فذلك يخرجه عن التأكيد : لأنه إذ ذاك يتخصص بالصفة ، وجوز المعربون أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، إما لمصدر من ( كتب عليكم ) أي : كتبا حقا ، وإما مصدر من الوصية ، أي إيصاء حقا ، وأبعد من ذهب إلى أنه منصوب بـ - المتقين - وأن التقدير : على المتقين حقا ، كقوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) : لأنه غير المتبادر إلى الذهن ، ولتقدمه على عامله الموصول ، والأولى عندي أن يكون مصدرا من معنى - كتب - لأن معنى : كتبت الوصية ، أي : وجبت وحقت ، فانتصابه على أنه مصدر على غير الصدر ، كقولهم : قعدت جلوسا ، وظاهر قوله : كتب وحقا ، الوجوب ، إذ معنى ذلك الإلزام على المتقين ، قيل : معناه من اتقى في أمور الورثة أن لا يسرف ، وفي الأقربين أن يقدم الأحوج فالأحوج ، وقيل : من اتبع شرائع الإيمان العاملين بالتقوى قولا وفعلا ، وخصهم بالذكر تشريفا لهم وتنبيها على علو منزلة المتقين عنده ، وقيل : من اتقى الكفر ومخالفة الأمر . وقال بعضهم : قوله ( على المتقين ) يدل على ندب الوصية لا على وجوبها ، إذ لو كانت واجبة لقال : على المسلمين ، ولا دلالة على ما قال : لأنه يراد بالمتقين - المؤمنون - وهم الذين اتقوا الكفر ، فيحتمل أن يراد ذلك هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية