صفحة جزء
( ولتكملوا العدة ) : قرأ أبو بكر ، وأبو عمرو بخلاف عنهما ، وروي : مشدد الميم مفتوح الكاف ، والباقون بالتخفيف وإسكان الكاف ، وفي اللام أقوال ، الأول : قال ابن عطية : هي اللام الداخلة على المفعول ، كالتي في قولك : ضربت لزيد ، المعنى ، ويريد إكمال العدة ، وهي مع الفعل مقدرة بأن ، كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا العدة ، هذا قول البصريين ، ونحوه . قول أبي صخر :


أريد لأنسى ذكرها فكأنما تخيل لي ليلى بكل طريق



انتهى كلامه . وهو كما جوزه الزمخشري . قال : كأنه قيل : يريد الله بكم اليسر ، ويريد لتكملوا ، لقوله : ( يريدون ليطفئوا ) ، وفي كلامه أنه معطوف على اليسر ، وملخص هذا القول : أن اللام جاءت في المفعول المؤخر عن الفعل ، وهو مما نصوا على أنه قليل ، أو ضرورة ، لكن يحسن ذلك هنا ، بعده عن الفعل بالفصل ، فكأنه لما أخذ الفعل مفعوله ، وهو اليسر ، وفصل بينهما بجملة وهي " ولا يريد بكم العسر " بعد الفعل عن اقتضائه ، فقوي باللام ، كحاله إذا تقدم فقلت لزيد ضربت : لأنه بالتقدم وتأخر العامل ضعف العامل عن الوصول إليه ، فقوي باللام ، إذ أصل العامل أن يتقدم ، وأصل المعمول أن يتأخر عنه ، لكن في هذا القول إضمار أن بعد اللام الزائدة ، وفيه بعد ، وفي كلام ابن عطية تتبع ، وهو في قوله " وهي " يعني باللام مع الفعل ، يعني " تكملوا " مقدرة بأن ، وليس كذلك ، بل " أن " مضمرة بعدها واللام حرف جر ، ويبين ذلك أنه قال : كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا العدة ، فأظهر " أن " بعد اللام ، فتصحيح لفظه أن تقول ، وهي مع الفعل مقدران بعدها ، وقوله : هذا قول البصريين ونحوه ، قول أبي صخر :


أريد لأنسى ذكرها



ليس كما ذكر ، بل ذلك مذهب الكسائي والفراء ، زعما أن العرب تجعل لام كي [ ص: 43 ] في موضع أن في أردت وأمرت . قال تعالى : ( يريد الله ليبين لكم ) ، ( يريدون ليطفئوا ) ، و ( أن يطفئوا ) ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) . وقال الشاعر :


أريد لأنسى ذكرها



وقال تعالى : ( وأمرنا لنسلم ) ، و ( أن أسلم ) ، وذهب سيبويه وأصحابه إلى أن اللام هنا باقية على حالها و " أن " مضمرة بعدها ، لكن الفعل قبلها يقدره بمصدر ، كأنه قال : الإرداة للتبيين ، وإرادتي لهذا ، وذهب بعض الناس إلى زيادة اللام ، وقد أمعنا الكلام على هذه المسألة في كتاب ( التكميل في شرح التسهيل ) فتطالع هناك .

وتلخص مما ذكرناه أن ما قال من أنه قول البصريين ليس كما قال ، إنما يتمشى قوله : وهي مع الفعل مقدرة بأن على قول الكسائي والفراء ، لا على قول البصريين . وتناقض قول ابن عطية أيضا : لأنه قال : هي اللام الداخلة على المفعول كالتي في قولك : ضربت لزيد ، المعنى ويريد إكمال العدة . ثم قال : وهي مع الفعل مقدرة بأن ، فمن حيث جعلها الداخلة على المفعول لا يكون جزءا من المفعول ، ومن حيث قدرها بأن كانت جزءا من المفعول : لأن المفعول إنما ينسبك منها مع الفعل ، فهي جزء له ، والشيء الواحد لا يكون جزءا لشيء غير جزء له ، فتناقض . وأما تجويز الزمخشري أن يكون معطوفا على " اليسر " فلا يمكن إلا بزيادة اللام وإضمار أن بعدها ، أو بجعل اللام لمعنى أن ، فلا تكون أن مضمرة بعدها ، وكلاهما ضعيف .

القول الثاني : أن تكون اللام في ولتكملوا العدة لام الأمر . قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، انتهى كلامه . ولم يذكر هذا الوجه فيما وقفنا عليه غير ابن عطية ، ويضعف هذا القول أن النحويين قالوا : أمر الفاعل المخاطب فيه التفات ، قالوا : أحدهما لغة رديئة قليلة ، وهو إقرار تاء الخطاب ولام الأمر قبلها ، واللغة الأخرى هي الجيدة الفصيحة ، وهو أن يكون الفعل عاريا من حرف المضارعة ومن اللام ، ويضعف هذا القول أيضا أنه لم يؤثر عن أحد من القراء أنه قرأ بإسكان هذه اللام ، فلو كانت لام الأمر لكانت كسائر أخواتها من القراءة بالوجهين فيها ، فدل ذلك على أنها لام الجر لا لام الأمر ، وقول ابن عطية : والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، يعني : أنها إذا كانت اللام للأمر كان العطف من قبيل عطف الجمل ، وإذا كانت كاللام في : ضربت لزيد ، كانت من قبل عطف المفردات .

القول الثالث : أن تكون اللام للتعليل ، واختلف قائلو هذا القول على أقوال ، أحدها : أن تكون الواو عاطفة على علة محذوفة ، التقدير : لتعملوا ما تعملون ولتكملوا العدة ، قاله الزمخشري . ويكون هذا الفعل المعلل على هذا القول إرادة اليسر . الثاني : أن يكون بعد الواو فعل محذوف هو المعلل ، التقدير : وفعل هذا لتكملوا العدة ، قاله الفراء .

الثالث : أن يكون معطوفا على علة محذوفة وقد حذف معلولها ، التقدير : فعل الله ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا ، قاله الزجاج . الرابع : أن يكون الفعل المعلل مقدرا بعد التعليل ، تقديره : ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة ، قال ابن عطية : وهذا قول بعض الكوفيين . الخامس : أن الواو زائدة ، التقدير : يريد الله بكم اليسر لتكملوا العدة ، وهذا قول ضعيف . السادس : أن يكون الفعل المعلل مقدرا بعد قوله : ( ولعلكم تشكرون ) ، وتقديره : شرع ذلك . قاله الزمخشري ، قال ما نصه : شرع ذلك ، يعني جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ، ومن الترخيص في إباحة الفطر ، فقوله : لتكملوا ، علة الأمر بمراعاة العدة ، ولتكبروا علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ، ولعلكم تشكرون علة الترخيص والتيسير . وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدي إلى تبينه إلا الناقد المحذق من علماء البيان ، انتهى كلامه .

والألف واللام في قوله : ( ولتكملوا العدة ) الظاهر أنها للعهد ، فيكون ذلك راجعا إلى قوله : ( فعدة من أيام أخر ) أي : وليكمل من أفطر في مرضه [ ص: 44 ] أو سفره عدة الأيام التي أفطر فيها بأن يصوم مثلها ، وقيل : عدة الهلال سواء كانت تسعة وعشرين يوما أم كان ثلاثين ، فتكون العدة راجعة إذ ذاك إلى شهر رمضان المأمور بصومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية