صفحة جزء
( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ) ، أي : عصيتم أو كفرتم ، أو أخطأتم ، أو ضللتم ، أقوال ثانيها عن ابن عباس ، وهو الظاهر لقوله : ادخلوا في السلم ، أي الإسلام ، فإن زللتم عن الدخول فيه ، وأصل الزلل للقدم ، يقال : زلت قدمه ، كما قال :


ولا شامت إن نعل عزة زلت



ثم يستعمل في الرأي والاعتقاد ، وهو الزلق ، وقد تقدم شيء من تفسيره في قوله : ( فأزلهما الشيطان عنها ) . وقرأ أبو السماك : " فإن زللتم " بكسر اللام ، وهما لغتان ، كضللت وضللت . والبينات ، حجج الله ودلائله ، أو محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قال : ( حتى تأتيهم البينة رسول من الله ) ، وجمع تعظيما له : لأنه وإن كان واحدا بالشخص ، فهو كثير بالمعنى . أو القرآن ، قاله ابن جريج ، أو التوراة والإنجيل ، قال : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) ، وقال ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) ، وهذا يتخرج على قول من قال إن المخاطب أهل الكتاب ، أو الإسلام ، أو ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المعجزات ، أقوال ستة . وفي ( المنتخب ) البينات : تتناول جميع الدلائل العقلية والسمعية من حيث إن عذر المكلف لا يزول إلا عند حصول البينات ، لا حصول التبيين من التكليف ، انتهى كلامه . والدلائل العقلية لا يخبر عنها بالمجيء : لأنها مركوزة في العقول ، فلا ينسب إليها المجيء إلا مجازا ، وفيه بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية