صفحة جزء
[ ص: 52 ] ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) الناس : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ومرادفه : أناسي ، جمع إنسان أو إنسي . قد قالت العرب : ناس من الجن ، حكاه ابن خالويه ، وهو مجاز إذ أصله في بني آدم ، ومادته عند سيبويه - رحمه الله - والفراء : همزة ونون وسين ، وحذفت همزته شذوذا ، وأصله أناس ونطق بهذا الأصل ، قال تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ، فمادته ومادة الإنس واحدة . وذهب الكسائي إلى أن مادته نون وواو وسين ، ووزنه فعل مشتق من النوس وهو الحركة ، يقال : ناس ينوس نوسا إذا تحرك ، والنوس : تذبذب الشيء في الهواء ، ومنه نوس القرط في الأذن وذلك لكثرة حركته . وذهب قوم إلى أنه من نسي ، وأصله نسي ثم قلب فصار نيس ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فقيل : ناس ، ثم دخلت الألف واللام . والكلام على هذه الأقوال مذكور في علم التصريف . من : موصولة ، وشرطية ، واستفهامية ، ونكرة موصوفة ، وتقع على ذي العلم ، وتقع أيضا على غير ذي العلم إذا عومل معاملة العالم ، أو اختلط به فيما وقعت عليه أو فيما فصل بها ، ولا تقع على آحاد ما لا يعقل مطلقا خلافا لزاعم ذلك . وأكثر لسان العرب أنها لا تكون نكرة موصوفة إلا في موضع يختص بالنكرة ، كقول سويد بن أبي كاهل :


رب من أنضجت غيظا صدره لو تمنى لي موتا لم يطع



ويقل استعمالها في موضع لا يختص بالنكرة ، نحو قول الشاعر :


فكفى بنا فضلا على من غيرنا     حب النبي محمد إيانا



وزعم الكسائي أن العرب لا تستعمل من نكرة موصوفة إلا بشرط وقوعها في موضع لا يقع فيه إلا النكرة ، وزعم هو وأبو الحسن الهنائي أنها تكون زائدة ، وقال الجمهور : لا تزاد . وتقع من على العاقل المعدوم الذي لم يسبقه وجود ، تتوهمه ، موجودا خلافا لبشر المريسي ، وفاقا للفراء ، وصححه أصحابنا . فأما قول العرب : أصبحت كمن لم يخلق . فتريد : كمن قد مات ، وأكثر المعربين للقرآن متى صلح عندهم تقدير ما أو من بشيء جوزوا فيها أن تكون نكرة موصوفة ، وإثبات كون ما نكرة موصوفة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل قاطع في قولهم : مررت بما معجب لك لإمكان الزيادة ، فإن اطرد ذلك في الرفع والنصب من كلام العرب ، كأن سرني ما معجب لك وأحببت ما معجبا لك ، كان في ذلك تقوية لما دعى النحويون من ذلك ، ولو سمع لأمكنت الزيادة أيضا لأنهم زادوا ما بين الفعل ومرفوعه والفعل ومنصوبه . والزيادة أمر ثابت لما ، فإذا أمكن ذلك فيها فينبغي أن يحمل على ذلك ولا يثبت لها معنى إلا بدليل قاطع . وأمعنت الكلام في هذه المسألة بالنسبة إلى ما يقع في هذا الكتاب من علم النحو لما ينبني على ذلك في فهم القرآن .

القول : هو اللفظ الموضوع لمعنى وينطلق على اللفظ الدال على النسبة الإسنادية ، وهو الكلام وعلى الكلام النفساني ، ويقولون في أنفسهم : ( لولا يعذبنا الله ) ، وتراكيبه الست تدل على معنى الخفة والسرعة ، وهو متعد لمفعول واحد ، فإن وقعت جملة محكية كانت في موضع المفعول ، وللقول فصل معقود في النحو . الخداع : قيل إظهار غير ما في النفس ، وأصله الإخفاء ، ومنه سمي البيت المفرد في المنزل مخدعا لتستر أهل صاحب المنزل فيه ، ومنه الأخدعان : وهما العرقان المستبطنان في العنق ، وسمي الدهر خادعا لما يخفي من غوائله ، وقيل : الخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ، من قولهم : ضب خادع وخدع إذا أمر الحارث وهو صائد الضب ، يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه ثم خرج من باب آخر ، وهو راجع إلى معنى القول الأول ، وقيل : أصله الفساد ، من قول الشاعر :


أبيض اللون لذيذا طعمه     طيب الريق إذا الريق خدع



أي فسد . إلا : حرف ، وهو أصل لذوات الاستثناء ، وقد يكون ما بعده وصفا ، وشرط الوصف به جواز [ ص: 53 ] صلاحية الموضع للاستثناء . وأحكام إلا مستوفاة في علم النحو . النفس : الدم ، أو النفس : المودع في الهيكل القائم به الحياة ، والنفس : الخاطر ، ما يدري أي نفسيه يطيع ، وهل النفس الروح أم هي غيره ؟ في ذلك خلاف . وفي حقيقة النفس خلاف كثير ، ويجمع على أنفس ونفوس ، وهما قياس فعل الاسم الصحيح العين في جمعيه القليل والكثير . الشعور : إدراك الشيء من وجه يدق مشتق من الشعر ، والإدراك بالحاسة مشتق من الشعار ، وهو ثوب يلي الجسد ومشاعر الإنسان حواسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية