( 
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم   ) ، أي : باليمين التي للقلب فيها كسب ، فكل يمين عقدها القلب فهي كسب له ، وكذلك فسر 
مجاهد  الكسب بالعقد ، كآية المائدة : ( 
بما عقدتم الأيمان   ) . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، 
والنخعي    : هو أن يحلف كاذبا أو على باطل ، وهي الغموس . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم    : هو أن يعقد الإشراك بقلبه إذا قال : هو مشرك إن فعل كذا . وقال 
قتادة    : بما تعمد القلب من المآثم . وهذا الذي ذكره تعالى من المؤاخذة ، هو العقوبة في الآخرة إن كانت اليمين غموسا ، أو غير غموس وترك تكفيرها ، والعقوبة في الدنيا بإلزام الكفارة إن كانت مما تكفر . واختلفوا في 
اليمين الغموس ، فقال 
مالك  ، وجماعة : لا تكفر ، وهي أعظم ذنبا من ذلك . وقال 
عطاء  ، 
وقتادة  ، 
والربيع  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي    : تكفر ، والكفارة مؤاخذة . والغموس ما قصد الرجل في الحلف به الكذب ، وهي المصبورة ، سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ، ومصبورة لأن صبرها مغالبة وقوة عليها ، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي . 
وقسمت الأيمان إلى : لغو ، ومنعقدة ، وغموس   . 
والمنعقدة   : هي على المستقبل التي يصح فيها الحنث والبر ، وبينا اللغو والغموس . وقسمت أيضا إلى : حلف على ما من محرم ، وهي : الكاذبة ؛ ومباح : وهي الصادقة ؛ وعلى مستقبل عقدها طاعة والمقام عليها طاعة ، وحلها معصية أو مكروه ، ومقابلها أو ما هو مباح عقدها والمقام عليها وحلها ، ولكن دخلت هنا بين نقيضين باعتبار وجود اليمين ؛ لأنها لا تخلو من أن لا يقصدها القلب ، ولكن جرت على اللسان ، وهي اللغو ، أو تقصدها ، وهي المنعقدة ، وهما ضدان باعتبار أن لا توجد اليمين ؛ إذ الإنسان قد يخلو من اليمين ، وهذان النوعان من النقيضين والضد أحسن ما يقع فيه " لكن " ، وأما الخلافان ففي جواز وقوعها بينهما خلاف ، وقد تقدم طرف من هذا ، وإبدال الهمزة واوا في مثل " يؤاخذ " مقيس ، ونحوه : يؤذن ويؤلف ، وفي قوله : ( 
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم   ) محذوف ، تقديره : ولكن يؤاخذكم في أيمانكم بما كسبت قلوبكم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه ، و " ما " في قوله " بما " موصولة ، والعائد محذوف ، ويحتمل أن تكون مصدرية ، ويحسنه مقابلته بالمصدر ، وهو قوله : ( 
باللغو   ) ، وجوز أن تكون نكرة موصوفة . 
( 
والله غفور حليم   ) ، جاءت هاتان الصفتان تدلان على توسعة الله على عباده ؛ حيث لم يؤاخذهم 
باللغو في الأيمان ، وفي تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران ، والحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة ، وإطماع في سعة رحمته ؛ لأن من وصف نفسه بكثرة الغفران والصفح مطموع في ما وصف به نفسه ، فهذا الوعيد الذي ذكره تعالى مقيد بالمشيئة ، كسائر وعيده تعالى .