صفحة جزء
( وإذ قد جر الكلام إلى هذا فلنذكر ما يحتاج إليه علم التفسير من العلوم على الاختصار ، وننبه على أحسن الموضوعات التي في تلك العلوم المحتاج إليها فيه فنقول ) : النظر في تفسير [ ص: 6 ] كتاب الله - تعالى - يكون من وجوه : ( الوجه الأول ) علم اللغة اسما وفعلا وحرفا ، فالحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة فيؤخذ ذلك من كتبهم ، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة ، وأكثر الموضوعات في علم اللغة كتاب ابن سيده ، فإن الحافظ أبا محمد علي بن أحمد الفارسي ذكر أنه في مائة سفر ، بدأ فيه بالفلك وختم بالذرة ، ومن الكتب المطولة فيه كتاب الأزهري ، والموعب لابن التياني ، والمحكم لابن سيده ، وكتاب الجامع لأبي عبد الله محمد بن جعفر التميمي القيرواني عرف بالقزاز ، والصحاح للجوهري ، والبارع لأبي علي القالي ، ومجمع البحرين للصاغاني . وقد حفظت في صغري في علم اللغة كتاب الفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى الشيباني ، واللغات المحتوي عليها دواوين مشاهير العرب الستة : امرئ القيس والنابغة وعلقمة وزهير وطرفة وعنترة ، وديوان الأفوه الأودي ، لحفظي عن ظهر قلب لهذه الدواوين ، وحفظت كثيرا من اللغات المحتوي عليها نحو الثلث من كتاب الحماسة ، واللغات التي تضمنها قصائد مختارة من شعر حبيب بن أوس لحفظي ذلك ، ومن الموضوعات في الأفعال كتاب ابن القوطية وكتاب ابن طريف وكتاب السرقسطي المنبوز بالحمار ، ومن أجمعها كتاب ابن القطاع .

( الوجه الثاني ) معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ، ويؤخذ ذلك من علم النحو ، وأحسن موضوع فيه وأجله كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه - رحمه الله تعالى - وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام كتاب تسهيل الفوائد لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي مقيم دمشق ، وأحسن ما وضع في التصريف كتاب الممتع لأبي الحسن علي بن مؤمن بن عصفور الحضرمي الشبيلي - رحمه الله تعالى - وقد أخذت هذا الفن عن أستاذنا الأوحد العلامة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي في كتاب سيبويه وغيره .

( الوجه الثالث ) كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع ، وقد صنف الناس في ذلك تصانيف كثيرة ، وأجمعها ما جمعه شيخنا الأديب الصالح أبو عبد الله محمد بن سليمان النقيب وذلك في مجلدين قدمهما أمام كتابه في التفسير ، وما وضعه شيخنا الأديب الحافظ المتبحر أبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأندلسي الأنصاري القرطاجني مقيم تونس المسمى منهاج البلغاء وسراج الأدباء ، وقد أخذت جملة من هذا الفن عن أستاذنا أبي جعفر بن الزبير - رحمه الله تعالى - .

( الوجه الرابع ) تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك من علم الحديث . وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناها ذلك كالصحيحين ، والجامع للترمذي ، وسنن أبي داود ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجه ، وسنن الشافعي ، ومسند الدارمي ، ومسند الطيالسي ، ومسند الشافعي ، وسنن الدارقطني ، ومعجم الطبراني الكبير والمعجم الصغير له ، ومستخرج أبي نعيم على مسلم ، وغير ذلك .

( الوجه الخامس ) معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا ، ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ، ويؤخذ هنا من أصول الفقه ، ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب ، ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول . ومن أجمع ما في هذا الفن كتاب المحصول لأبي عبد الله محمد بن عمر الرازي ، وقد بحثت في هذا الفن في كتاب الإشارة لأبي الوليد الباجي على الشيخ الأصولي الأديب أبي الحسن فضل بن إبراهيم المعافري الإمام بجامع غرناطة والخطيب به ، وعلى الأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير في كتاب الإشارة وفي شرحها له وذلك بالأندلس ، وبحثت أيضا في هذا الفن على الشيخ علم الدين عبد [ ص: 7 ] الكريم بن علي بن عمر الأنصاري المعروف بابن بنت العراقي في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول ، وعلى الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول ، وعلى الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني صاحب شرح المحصول بحثت عليه في كتاب القواعد من تأليفه - رحمه الله تعالى - .

( الوجه السادس ) الكلام فيما يجوز على الله - تعالى - وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ، ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري - تعالى - وفي الأنبياء وإعجاز القرآن ، ويؤخذ هذا من علم الكلام . وقد صنف علماء الإسلام من سائر الطوائف في هذا كتبا كثيرة ، وهو علم صعب ، إذ المزلة فيه - والعياذ بالله - مفض إلى الخسران في الدنيا والآخرة ، وقد سمعت منه مسائل تبحث على الشيخ شمس الدين الأصفهاني وغيره .

( الوجه السابع ) اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ وذلك بتواتر وآحاد ، ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات ، وقد صنف علماؤنا في ذلك كتبا لا تكاد تحصى ، وأحسن الموضوعات في القراءات السبع كتاب الإقناع لأبي جعفر ابن الباذش ، وفي القراءات العشرة كتاب المصباح لأبي الكرم الشهرزوري . وقد قرأت القرآن بقراءة السبعة بجزيرة الأندلس على الخطيب أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني عرف بابن الطباع بغرناطة ، وعلى الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله الأنصاري الوادي تشبتي بمطحشارش من حضرة غرناطة ، وعلى غيرهما بالأندلس . وقرأت القرآن بالقراءات الثمان بثغر الإسكندرية على الشيخ الصالح رشيد الدين أبي محمد عبد النصير بن علي بن يحيى الهمداني عرف بابن المربوطي ، وقرأت القرآن بالقراءات السبعة بمصر - حرسها الله تعالى - على الشيخ المسند العدل فخر الدين أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي ، وأنشأت في هذا العلم كتاب عقد اللآلئ قصيدا في عروض قصيد الشاطبي ورويه يشتمل على ألف بيت وأربعة وأربعين بيتا ، صرحت فيها بأسامي القراء من غير رمز ولا لغز ولا حوشي لغة ، وأنشأته من كتب تسعة كما قلت :


تنظم هذا العقد من در تسعة من الكتب فالتيسير عنوانه انجلا     بكاف لتجريد وهاد لتبصره
وإقناع تلخيصين أضحى مكملا     جنيت له إنسي لفظ لطيفه
وجانبت وحشيا كثيفا معقلا



التالي السابق


الخدمات العلمية