صفحة جزء
( وسع كرسيه السماوات والأرض ) قرأ الجمهور ( وسع ) بكسر السين ، وقرئ شاذا بسكونها ، وقرئ أيضا شاذا ( وسع ) بسكونها وضم العين ، و ( السماوات والأرض ) بالرفع مبتدأ وخبرا ، والكرسي : جسم عظيم يسع السماوات والأرض ، فقيل : هو نفس العرش ، قاله الحسن . وقال غيره : دون العرش وفوق السماء السابعة ، وقيل : تحت الأرض كالعرش فوق السماء ، عن السدي ، وقيل : الكرسي موضع قدمي الروح الأعظم ، أو ملك آخر عظيم القدر . وقيل : السلطان والقدرة ، والعرب تسمي أصل كل شيء الكرسي ، وسمى الملك بالكرسي ؛ لأن الملك في حال حكمه وأمره ونهيه يجلس عليه فسمي باسم مكانه على سبيل المجاز ; قال الشاعر :


قد علم القدوس مولى القدس أن أبا العباس أولى نفس




في معدن الملك القديم الكرسي



[ ص: 280 ] وقيل : الكرسي العلم ؛ لأن موضع العالم هو الكرسي ، سميت صفة الشيء باسم مكانه على سبيل المجاز ، ومنه يقال للعلماء : كراسي ، لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : أوتاد الأرض ، ومنه الكراسة ; وقال الشاعر :


تحف بهم بيض الوجوه وعصبة     كراسي بالأحداث حين تنوب



أي : ترجع ، وقيل : الكرسي السر ; قال الشاعر :


ما لي بأمرك كرسي أكاتمه     ولا بكرسي علم الله مخلوق



وقيل : الكرسي ملك من الملائكة يملأ السماوات والأرض . وقيل : قدرة الله . وقيل : تدبير الله ، حكاهما الماوردي ، وقال : هو الأصل المعتمد عليه . قال المغربي : من تكرس الشيء تراكب بعضه على بعض ، وأكرسته أنا ; قال العجاج :


يا صاح هل تعرف رسما مكرسا     قال نعم أعرفه وأكرسا



وقال آخر :


نحن الكراسي لا تعد هوازن     أمثالنا في النائبات ولا الأشد



وقال الزمخشري : وفي قوله : ( وسع كرسيه ) أربعة أوجه : أحدها : أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط ، ولا كرسي ثمة ، ولا قعود ، ولا قاعد ، لقوله : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) من غير تصور قبضة وطي ويمين ، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه ، وتمثيل حسي . ألا ترى إلى قوله : ( وما قدروا الله حق قدره ) ؟ انتهى ما ذكره في هذا الوجه . واختار القفال معناه قال : المقصود من هذا الكلام تصوير عظمة الله تعالى وكبريائه وتعزيزه ، خاطب الخلق في تعريف ذاته بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم . وقيل : كرسي لؤلؤ ، طول القائمة سبعمائة سنة ، وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون . ذكره ابن عساكر في تاريخه ، عن علي بن أبي طالب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله . قال ابن عطية : والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش ، والعرش أعظم منه ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . وقال أبو ذر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض " . وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله ، انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية